وقد عرفت في رد الوجه الخامس أن الأحكام لما كانت أمورا اعتبارية جعلية ، وكان قوامها نحو اقتضائها للفعل من قبل المولى الجاعل لها كان اختلافها في نحو اقتضائه موجبا للتضاد بينها ذاتا بحسب المرتكزات العرفية التي هي المدار في اعتبار الاحكام الشرعية ، وذلك جار في الحكم الواقعي والظاهري المخالف له ، لما هو المعلوم من أن الحكم الظاهري له نحو من الاقتضاء للفعل كالحكم الواقعي ، فيعود المحذور.
ومجرد عدم محركية الحكم الواقعي ، وعدم فعلية تأثيره بسبب الجهل به ، وعدم تنجزه لا يرفع التضاد المذكور ، لأن منشأ التضاد ليس هو الحركة الفعلية المسببة عن الحكم ، بل نحو اقتضاء الحكم للحركة ، الذي يمتنع اختلافه مع وحدة الحاكم.
ولذا لا ريب في التضاد بين الحكمين الواقعيين لو كان أحدهما مقارنا للجهل بالآخر من دون أن يؤخذ في موضوعه الجهل به ، كما لو فرض جهل المكلف بفسق زيد ، وحكم المولى بوجوب إكرامه ، وحرمة إكرام كل فاسق ، فيكون إكرامه واجبا وحراما في وقت واحد. بل لا إشكال في أن الحكم بوجوب إكرام زيد يكون ملازما إما لعدم كونه فاسقا ، أو لتخصيص عموم حرمة إكرام الفساق.
وبالجملة : الوجه المذكور لا ينهض بدفع الشبهة. بل لا بد من التأمل في وجه آخر يكون به التخلص عنها.
فنقول بعد التوكل على الله تعالى والاستعانة به :
لا موقع للشبهة في موارد الطرق بناء على ما عرفت في مبحث قيام الطرق والأصول مقام القطع الموضوعي من أن مفاد أدلة جعلها ليس جعل مؤداها ، بل جعل حجيتها ، لأن الحجية من الأحكام الوضعية القابلة للجعل ، فإن حجية الطريق لا تماثل الحكم الواقعي الثابت في مورده ولا تضاده ، لاختلافهما سنخا.