ويناسبه أن الجهل عرفا من أوصاف الندم المستتبعة للّوم ، بخلاف محض عدم العلم ، فإنه وإن كان نقصا ، إلا أنه من سنخ العذر الرافع للوم.
وكيف كان ، فالمعنى المذكور هو الأقرب في الآية الشريفة ، ولا سيما بملاحظة كونها إشارة إلى أمر ارتكازي عرفي ، كما لعله ظاهر. وحينئذ فقصور التعليل فيها عن مورد المفهوم ظاهر جدا.
نعم ، قد يقال : إن حمل التعليل على خصوص ما لا يقدم العقلاء على العمل به ـ إما لحمل الجهالة على ما يقابل الحكمة ، أو لحملها على ما يقابل العلم بعد تخصيصها بذلك ـ لا يناسب مورد الآية ، حيث وردت للردع عن محاولة النبي صلّى الله عليه وآله أو الصحابة العمل بخبر الفاسق. إذ لا مجال لتوهم إقدامهم على ما لا ينبغي الإقدام عليه عند العقلاء بنحو مناف للحكمة ومناسب للسفه والحمق ، بل لا بد من الالتزام بورود الآية الشريفة لردعهم في مورد سيرة العقلاء على العمل بالخبر.
لكنه مندفع بما أشرنا إليه من عدم ظهور الآية في الردع تعبدا أو تأسيسا من قبل الشارع ، بل في التنبيه إلى طريقة العقلاء وارتكازياتهم في لزوم التثبت في خبر الفاسق ، الكاشف عن كون مورد الردع مما لا يقدم عليه العقلاء.
ولم يظهر منها الردع للنبي صلّى الله عليه وآله أو لأهل التعقل من المؤمنين ، بل سياقها كالصريح في مجانبة النبي صلّى الله عليه وآله ومن أطاعه من المؤمنين للعمل بخبر الفاسق في مورد النزول ، وأن الردع مختص بغيرهم من جهال الناس الذين ينعقون مع كل ناعق ، ويؤخذون بالتهريج والارجاف الذي يقوم به المنافقون ونحوهم ممن لا يتقيد بتعاليم النبي صلّى الله عليه وآله ، ولا يتبع سبيل المؤمنين ، وقد ابتلي بهم النبي صلّى الله عليه وآله في حياته والمؤمنون بعد وفاته.
فانظر قوله تعالى بعد الآية المذكورة : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي