حائط في قرية بابلّي جملة من المال قيل كانت خمسين ألف دينار مصرية ففرّقت بالأمراء ، وحمل الملك السعيد إلى الشّغر وبكاس معتقلا.
ثم اتفق الأمراء العزيزية والناصرية وقدّموا عليهم حسام الدين الجو كندار. ولما شاع بحلب أن التتر معاودون إليها خام (١) عنهم حسام الدين المذكور بمن معه من العساكر إلى جهة حماة. أما التتر فإنهم ساروا إلى حلب وعاودوها في أواخر هذه السنة أعني سنة ٦٥٨ وكان مقدّم عسكر التتر بيدرا. فأجفل أهل حلب إلى البلاد القبلية وأخرج التتر من بقي من أهلها بعيالهم وأولادهم حافين مجرّدين إلى المحلّ المعروف بمقر الأنبياء ، وبذلوا فيهم السيف فأفنوا أكثرهم وسلم القليل منهم. ثم تراجع من أفلت بأسوإ حال. ولما عاد كمال الدين عمر بن أحمد بن عبد العزيز إلى حلب بعد أن خربها التتر ـ وكان جافلا منهم ـ رأى أحوال حلب فقال في ذلك قصيدة ، منها :
هو الدهر ما تبنيه كفّاك يهدم |
|
وإن رمت إنصافا لديه فتظلم |
أباد ملوك الفرس جمعا وقيصرا |
|
وأصمت لدى فرسانها منه أسهم (٢) |
وأفنى بني أيوب مع كثر جمعهم |
|
وما منهم إلا مليك معظّم |
وملك بنى العباس زال ولم يدع |
|
لهم أثرا من بعدهم وهم هم |
وأعتابهم أضحت تداس ، وعهدها |
|
تباس بأفواه الملوك وتلثم |
وعن حلب ما شئت قل من عجائب |
|
أحلّ بها يا صاح ، إن كنت تعلم |
ومنها :
فيا لك من يوم شديد لغامه (٣) |
|
وقد أصبحت فيه المساجد تهدم |
وقد درست تلك المدارس وارتمت |
|
مصاحفها فوق الثرى وهي ضخّم |
ولكنما لله في ذا مشيئة |
|
فيفعل فينا ما يشاء ويحكم |
ولعمر [بن] إبراهيم الرّسعني (٤) مقامة في هذه الحادثة أثبت بعضها ابن الوردي في كتابه
__________________
(١) نكص وتراجع.
(٢) أصمى السهم الهدف : لم يخطئه. وأصمى الصيد : رماه فقتله مكانه.
(٣) اللغام ، زبد أفواه الإبل. وهو في الشعر على المجاز.
(٤) في الأصل : «ولعمر إبراهيم الرسعني» فصوّبناه من «تتمة المختصر» ٢ / ٣٠٨ والرّسعني ، بالعين المهملة : نسبة إلى «رأس العين» بالجزيرة الفراتية.