قال الواقدي ما ملخصه : بعد أن صالح أهل قنسرين أبا عبيدة وخالدا على مال معيّن ودخلا قنسرين واختطّا بها مسجدا ، بلغ ذلك أهل حلب فخافوا ، وكان رئيسا عليهم «يوقنا» و «يوحنا» أخوان يسكنان القلعة ، وكان أبوهما قبلهما يملك حلب إلى الفرات. وكان هرقل ملك الروم يهابه لشجاعته ودهائه وقد انتزعه من رومية خوفا منه فجاء إلى العواصم واستخلص قلعة حلب لنفسه وحصّنها وسكنها. وكان ولده الصغير منزويا عن الرئاسة إلى الترهب ، ولما بلغه خبر قدوم أبي عبيدة أشار على أخيه بالصلح فأبى إلا الحرب وسار بجيوشه الجرارة التي منها ١٢ ألف فارس إلى كفاح أبي عبيدة قبل أن يصل إلى حلب.
وكان أبو عبيدة بقنّسرين غير عالم بالحال قد جهز كعب بن ضمرة ومعه ألف فارس وسيّره إلى حلب لفتحها. فسار كعب حتى إذا صار على نحو ستة أميال من حلب دهمه يوقنا واشتعلت الحرب بينهما. وكان أبو عبيدة مشغولا مع مشايخ أهل حلب ورؤسائهم قدموا عليه إلى قنسرين يطلبون منه الصلح والأمان بعد أن سار يوقنا لقتاله وسلكوا إلى قنّسرين غير الطريق الذي سلكه يوقنا. ولما صالحهم أبو عبيدة وأمّنهم رجعوا إلى حلب. وقبل أن يصلوها فشا خبر صلحهم حتى بلغ يوقنا وهو يحارب كعبا ، وكعب في غاية القلق الضجر ، وقد تلف من عسكره زهاء مائتي رجل من أعيان الصحابة. فلما سمع يوقنا خبر الصلح اضطرب جيشه وارتد على عقبه.
ثم إن أبا عبيدة لما أبطأ عليه خبر كعب نهض بعسكره يريد حلب وعلى المقدمة خالد ابن الوليد. فما كان غير قليل حتى أشرف على كعب وعلم بما دهمه ثم ساروا جميعا إلى حلب فرأوا يوقنا وجنوده قد أحدقوا بأهل البلد يريدون قتلهم وهم يقولون : ويلكم صالحتم العرب ونصرتموهم علينا. ثم أدخل يوقنا عبيده على أهل البلد وجعلوا يقتلونهم على فرشهم وأبواب منازلهم. فنظر يوحنا من القلعة إلى البلد ورأى القتل في أهله فعارض أخاه يوقنا فلم يفعل ، فأغلظ له الكلام فغضب عليه وقتله.
وكانت رايات المسلمين قد أشرفت عليهم ولما سمع خالد ضجيج أهل البلد وبكاءهم قال لأبي عبيدة : هلك أهل ذمتك. وحمل على جماعة يوقنا فلم ينج منهم سوى من لجأ إلى القلعة. ودخل المسلمون حلب من باب أنطاكية وحفّوا حولهم بالتراس داخل الباب وبنوا ذلك المكان مسجدا.