بعض الظرفاء أن حلب تجدد بها قاضيان مالكي وحنبلي ، أنشد قول الحريري في الملحة (١) :
ثم كلا النوعين جاء فضله |
|
منكّرا بعد تمام الجمله |
وفي جمادى الآخرة نقل أرغون شاه نائب حلب إلى نيابة دمشق ، وهو في غاية السطوة ، مقدم على سفك الدماء بلا تثبّت ، قتل في هذه المدة اليسيرة خلقا كثيرا ووسّط وسمّر (٢) ، وقطع بدويا سبع قطع بمجرد الظن ، وغضب على فرس له ثمينة (٣) ، مرح بالعلافة فضربه حتى سقط ، ثم قام فضربه حتى سقط. وهكذا عدة مرات حتى عجز عن القيام. فبكى الحاضرون على هذا الفرس فقيل فيه :
عقلت طرفك حتى |
|
أظهرت للناس عقلك (٤) |
لا كان دهر يولّي |
|
على بني الناس مثلك |
وفي أواخر هذه السنة أعني ٧٤٨ وصل إلى حلب نائبا فخر الدين إياز ، نقل إليها من صفد ، ثم في شوال منها إلى مصر معتقلا. وفي ذي الحجة وصل إلى حلب مكانه سيف الدين الحاج أرقطاي الناصري ، ولما دخل إلى حلب أعفى الناس من زينة الأسواق لأنها تكررت حتى سمجت.
وفي شوال وصل إلى حلب ـ من قبل السلطان ـ أسود ليأخذ على كل رأس غنم تباع بحلب وحماة ودمشق درهما. فيوم وصوله إلى حلب وصل خبر قتل مرسله السلطان ، فسرّ الناس بذلك. وفيها كان الغلاء بحلب وحماة ودمشق. وحلب أخفّ غلاء من غيرها ، وأشدّه بدمشق ، حتى انكشف الحال وجلا كثير من أهلها إلى حلب وغيرها ، وصلت فيها غرارة الحبّ إلى ثلاثمائة درهم ، وبيع البيض كل خمس بدرهم ، واللحم : الرطل بخمسة دراهم وأكثر ، والزيت : الرطل بستة أو سبعة. وفي العشر الأوسط من آذار في
__________________
(١) في الأصل «اللمحة» خطأ ، والمراد به متن «ملحة الإعراب» للحريري صاحب المقامات.
(٢) وسّطه : قطعه نصفين. وسمّره : شدّه بالمسامير أو ثبّته بها.
(٣) في تتمة المختصر : «على فرس له قيمة كبيرة» وهو أجود. وقوله بعد ذلك : «مرح بالعلافة» يريد : عبث بالعلف وبعثره جدا.
(٤) الطّرف : الجواد الأصيل.