بعساكرنا فإن أشفقت على نفسك ورعيّتك فاحضر إلينا لترى من الرحمة والشفقة ما لا مزيد عليه وإلا نزلنا عليك وخربنا بلدك ، وقد قال تعالى (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) فاستعدّ لما يحيط بك إن أبيت الحضور.
فلم يلتفت الناصري إلى كلامه وحبس رسوله. فمشى إليه تيمور وبرز له الناصري في أوائل عسكره وقاتله قتالا شديدا رأى فيه تيمور من الناصري شدة حزم ، فرجع عن محاربته وأخذ في مخادعته فطلب منه الصلح وأن يرسل له مالا وخيلا فلم ينخدع وتنازل معه إلى أن طلب منه جانبا فلم يعطه ، وعاد عنه تيمور خائبا وعساكر الناصري في أواخر عسكر تيمور قتلا ونهبا وأسرا مع أنهم كانوا زهاء ثمانمائة ألف عسكري. كل ذلك وباب قلعة الناصري لم يغلق يوما واحدا وفيه يقال :
هذا الأمير الذي صحّت مناقبه |
|
ليث الوغى عمّت الدنيا مفاخره |
ولّى تمرلنك مكسورا أوائله |
|
منه فارا ومذعورا أواخره |
كان الناصري من السلالة العمرية ذا مروءة وصدق ودين وعلم. ثم إن تيمور استولى على حلب ودمشق ، وما بينهما على الوجه الذي نبسطه ، ثم رجع إلى ممالك الروم فكاتب سلطانها السلطان با يزيد خان الغازي فلم يلتفت إلى كتابه وتوجه لقتاله وجمع العساكر على ميل من مدينة أنقرة ، ونشبت الحرب بينهم وكانت وقعة عظيمة انكشفت عن أسر السلطان يلدرم با يزيد خان ولما أيقن بالهلاك قال لتيمور : أوصيك ألّا تترك التتر بهذه البلاد فإنهم يفسدونها وألّا تقتل رجال الأروام فإنهم ردء الإسلام ، وألّا تخرب قلاع المسلمين ، ولا تجلهم عن مواطنهم.
قال هذا وهو مكبل بقفص من حديد قد فغر الموت له فاه لابتلاع حياته بعد سويعات ، فلم يذهله هذا الموقف الرهيب عن المحاماة عن رعيته ، ولم تضطره الأثرة بروحه إلى التوسل بالدفاع عنها دون الدفاع عن رعاياه.
وقد قبل منه تيمور تلك الوصايا. وبعد سويعات توفي السلطان با يزيد في قفصه ورجع تيمور إلى بلاده فمرض في مدينة أنزار وجعل يشرب من عرق الخمر إلى أن تفتت كبده ومات في ليلة الأربعاء سابع عشر شعبان سنة ٨٠٧ وحملوا عظامه إلى سمرقند وعمره فوق