أن الدمشقيين الذين لهم دور في حلب يقيمون في دورهم ، ومن لم يكن له دار منهم يرجع إلى وطنه.
ثم فتحوا باب الفرج لقضاء حوائج الدمشقيين ووقف به ثلاثون رجلا من «القول» الحلبي حرسا ورقباء على من دخله من الدمشقيين بسلاح. وفي ثالث يوم هجم الدمشقيون وقتلوا من كان بباب الفرج وأخذوا في نهب دار محمد جاويش المتقدم ذكره. فثار الحلبيون وخرجوا إلى القلعة. فأرسل يقول لهم حسين باشا الجانبلاط : كان عند الدمشقيين حرارة فانطفأت بنهب دار محمد جاويش وعفا الله عما مضى. فانخدع الحلبيون وسكنوا. أما الدمشقيون فإنهم زادوا في طغيانهم واستطالوا على نهب دور الحلبيين. ولما رأى حسين باشا أن الداء عضال ولّى إلى كلّز وقال : سلّط الله الكلاب على البقر. وأخذ الدمشقيون في محاصرة القلعة ووضعوا المتاريس في سوق السراجين ، وكان الحلبيون يهجمون على الدمشقيين ويقتلون منهم. فدخل الدمشقيون ليلا من تحت القسطل المقارب لباب القلعة ووضعوا النفط والقطران وأحرقوا جسر باب القلعة. وعجز الحلبيون بعده من الوصول إلى الدمشقيين.
وفي غضون ذلك ورد حلب واليا عليها حسن باشا ابن علي باشا ألوند ، فرشاه الدمشقيون بخمسين ألف قرش فأمر برفع القتال حتى يصدر أمر الدولة باستخدام أحد القولين في حلب. ثم لما نزل الحلبيون من القلعة ورأوا دورهم متهدمة وأموالهم منهوبة وأمارات الغدر تلوح على الدمشقيين ، قالوا في أنفسهم : تغدّوا بهم قبل أن يتعشّوا بكم. فهجموا عليهم وأثخنوهم بالجراح والقتل ثم وقع الفشل فيهم وعادوا إلى حصار قلعتهم ، وشدد الدمشقيون الحصار عليهم حتى رضوا بترك الخدمة بالكلية إلى الدمشقيين. فرفع الدمشقيون عنهم الحصار وأمنّوهم إذا نزلوا. فانخدع الحلبيون ونزلوا من القلعة فلم يشعروا إلا والدمشقيون قد هجموا عليهم وأخذوا في قطع رؤوسهم بحضور الوالي والقاضي وهما ساكنان ، حتى جمعوا من رؤوس الحلبيين مقدار القبة وكان ذلك في يوم عرفة من السنة المذكورة وهي سنة ١٠١٠ وصفا الوقت للدمشقيين ، وأخذوا استخدام بيت القاضي وبيت الصّوباشي وبيت القنصل وبيت الدفتردار ، واستولوا على حلب أكثر من استيلائهم الأول ، وتزوجوا ببنات أعيان حلب ، وعاد ظلمهم وعسفهم.