فوصل شريف باشا إليها ودخلها من باب المقام وخرج من باب بانقوسا إلى الميدان. فوجد بشير باشا والعساكر الحلبية ناصبين خيامهم هناك وهم على عزم التوجه إلى حسن باشا ، السردار المذكور ـ وكان في دمشق ـ فنزل شريف باشا مع الدمشقيين في قرية بابلّي ، وإذا بالمساء ورد تقرير بشير باشا بولاية حلب من جانب السردار المذكور متأخر التاريخ. ففي اليوم الثاني وقعت محاربة عظيمة بين الأميرين واتخذ كل منهما متاريس وأمر بشير باشا بإطلاق المدافع من قلعة حلب على شريف محمد باشا والدمشقيين فتوقف شريف باشا عن المحاربة وارتحل بعسكره ليلا.
ولما وقعت هذه الفتنة عرض بشير باشا إلى حسن باشا السردار واقعة الحال وطلب منه الاستعفاء ، فأجابه إلى ما طلب وأرسل إلى حلب متسلما من قبل شريف باشا. وكان الدمشقيون رجعوا إلى دمشق وتقوّوا وعادوا إلى حلب ومعهم نحو عشرة آلاف عسكري ، ولم يكن عند الحلبيين سوى نحو ألف وخمسمائة عسكري ، فخرج الحلبيون لمحاربة الدمشقيين وهم في قرية الراموسة ، ودام الحرب بينهم من الصباح إلى قرب العصر ، فانكسر الحلبيون ورجعوا وأكثرهم مثخن بالجراح. وفي الليل دخل الدمشقيون إلى المحلات الخارجة عن السور. فلما طلع النهار أغلق الحلبيون أبواب المدينة ـ سوى باب قنسرين ـ ووضعوا عليها المدافع. واتخذ الدمشقيون المتاريس عند باب النصر وباب بانقوسا وصاروا يرمون بعضهم بالمدافع. وفي كل ثلاثة أيام يخرج الحلبيون إلى جانب باب قنّسرين ويحاربون الدمشقيين. وقد خرج غالب أكابر حلب إلى القلعة خوفا من هجوم الدمشقيين على أسوار حلب. وكان معظم ذلك في شهر رمضان سنة ١٠١٠.
ولما قدم حلب يحيى أفندي ابن بستان ـ قاضيا عليها ـ أنزله الدمشقيون عندهم خارج البلد ونسبوا الحلبيين إلى العصيان على السلطان ، فأحضر القاضي علماء حلب وأمراءها وكتبوا محضرا إلى حسين باشا الجانبلاط ـ كافل كلّز ـ يطلبون حضوره ليصلح بينهم وبين الدمشقيين. فحضر بعد ثلاثة أيام بعساكر كثيرة ودخل الجامع الكبير وأحضر العلماء والأعيان وقال : هذه فتنة لا تنطفىء إلا بقتل خليل كيخيه كبير «القول» الحلبي ، ومحمد جاويش من الشوربجية ، وجمال الدين منهم أيضا. فأبى الحلبيون أن يعطوا واحدا منهم ، وطال الكلام وكثر اللغط حتى رضي الدمشقيون بوضع الثلاثة في القلعة ساعة من النهار إهانة لهم وإطفاء للفتنة. فرضي الحلبيون بذلك وحلفوا بالله على المصحف