عساف في خصوص هذه الضيافة. وكان الأمير عساف قد تجهز للقدوم على هذه الضيافة ومعه جمّ غفير من العربان خوفا من أن يغدر به الباشا. ولما وصل إلى محل الضيافة غدر به الباشا وأراد أن يقتله ، فاستدرك الفرط (١) وانفلت من قبضته وعاد إلى أشد ما كان عليه من الإفساد وقطع الطريق. ولما سمعت الدولة بغدر إبراهيم باشا وعدم وفائه وسوء تدبيره عزلته عن حلب وولّت مكانه درويش باشا المعزول عن ولاية بغداد. فقدم حلب وتلافى خطر العربان الذي كان من أهم الأمور في ذلك الزمان ، وأرسل من قبله رسولا يدعو عسافا بالرفق واللين إلى طاعة السلطان ، وجهز معه هدايا ثمينة لعساف. وكان الرسول في ذلك علي آغا كجك ، جدّ مصطفى نعيما الحلبي صاحب تاريخ الروضتين (وجدّ الأسرة الشهيرة في حلب باسم راغب زاده القاطنة في محلة السفاحية).
فوصل الرسول المذكور إلى عساف وبسط له الكلام وتلطف به ووبخه على عصيانه وعظّم من أمره وأمر هذه العشيرة المعروفة بعشيرة أبي ريش ، وقال له : لا ينبغي ولا يليق بأدنى فرد من أفراد هذه العشيرة أن يشهر على السلطان العصيان. فأجابه عساف بقوله : يا علي والله ما لي ذنب في هذا العمل وإنما الذنب فيه لإبراهيم باشا. ثم إن عسافا استدعى بثلاثة دروع كان لبسها في يوم الضيافة وصار يري علي آغا الثقوب التي حصلت من إطلاق الرصاص ، وكانت إحدى الرصاصات قد ثقبت الدرع ووصلت إلى بدنه ، فحلف له الأمير عساف أن جرح هذه الرصاصة بقي يبصق منه الدم شهرين. فسلّاه علي آغا وذكر له أن الدولة لم تعزل إبراهيم باشا إلا لما أجراه معك من الغدر. فرضي حينئذ عساف وتعهد لعلي آغا بالأمن والأمان ، وأهداه مقدار عشرة خيول وجهز معه إلى الدولة عدة خيول وأعطاه حوالة على حلب بألفي ذهب للدولة.
وفي سنة ١٠٥٦ ولي حلب ملك أحمد باشا كما يفهم من حديقة الوزراء. وفي شعبان سنة ١٠٥٧ ولي حلب أحمد باشا الدباغ كتخدا موسى باشا. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب أبشير باشا ، نقل إليها من دمشق فبقي بها أشهرا ، ثم صرف عنها في أوائل سنة ١٠٥٨ وولي مكانه موستاري مصطفى باشا. وفي ذي الحجة سنة ١٠٦٠ ولي حلب أبشير باشا وهذه هي الولاية الثانية ، ولم يتيسر له أن يتناول منشور الولاية إلا في أوائل سنة ١٠٦١
__________________
(١) أي بادر مسرعا.