متحصنا بالقرب من بيكويوليس. فلما أقبلت عساكر سيجسيمند على جيوش الإسلام ظنوا أن الغلبة سهلة عليهم جدا لأنهم رأوا تلك الجيوش خالية من كل ترتيب وإن كانت أسلحتهم كاملة. وكان يظن الناظر في اليكجرية أن ملابسهم الطويلة الواسعة تعوقهم عن خفة الحركة والرشاقة في استعمال الحراب ، وعمائم الصباهية الكبيرة وقلانسهم الضخمة تزيد مناظرهم ضخامة في عين الناظر إليهم وتجعله يتهاون بمصادمتهم. فتقدم فرسان من فرنسا وأنشبوا الحرب مع فئة قليلة من اليكجرية لا يبلغ عددهم ٤٠٠٠ فبدد شملهم الفرسان وفتحوا فيهم طريقا ساروا منه إلى بقية جيش المسلمين المجتمع وراءهم ، وإذا بجيش عرمرمي من الرجال الأشداء لا يلتفتون إلى الهاربين من عساكر تلك الشرذمة ولا يبالون بما وقع عليها من الكسرة ، كأنهم الأسود ثباتا ومنظرا ينتظرون هجوم عساكر الأعداء عليهم فما كان غير قليل حتى سمع من عساكر المسلمين جلبة هائلة وفي أثرها ثارت اليكجرية على ذلك العدو فخام عن لقائهم فتبعوه وأعملوا فيه السيف ولم يفلت منه إلا الشريد الهارب ، وقد جعل ذلك الظفر العظيم اسم اليكجرية مهيبا جدا في أوربا بأسرها.
وكانت طريقة اليكجرية في القتال أن يحيطوا صفوفهم بجيش من العساكر الجاهلة ، ويفتحون بها باب الحرب ويشتغل بها العدو مدة ولا يتيسر له الوصول إلى معظم عساكرهم إلا بعد أن يكلّ من القتال ، حتى إن تلك الجنود الجاهلة كانوا يملؤون بجثثها الخنادق ، وربما جعلوها تلالا يتسلقون عليها إلى الحصون والقلاع التي يحاصرونها. ولما كان اليكجرية يباشرون الحروب دائما ويرزقون الفوز والظفر وينالون الغنائم العظيمة ، داخلهم التيه والكبرياء وصاروا يعدّون أنفسهم هم المحامون عن بيضة الإسلام وحوزة الملك ، والعلة الوحيدة لوجودهما. ثم تمادوا في غلوائهم حتى صاروا يتجاسرون على خلع الملوك وتبديل الوزراء وقد بالغ بعض سلاطين آل عثمان في تعظيمهم وإكرامهم ، مستندا في ذلك إلى أنهم هم الذين شادوا الملك وبهم امتد في أوربا وآسيا وأفريقية وجزائر البحر حتى استحق مالكه أن يلقب بسلطان البرّين وخاقان البحرين.
ولما أحرزت المملكة هذه الشهرة العظيمة بواسطة اليكجرية ازدادوا عتوّا وتعديا وضعفت شجاعتهم وإقدامهم ، وصاروا رعبا للسلاطين بعد أن كانوا رعبا للعدو ، وصاروا يجاهرون بالعصيان لأدنى سبب حتى اضطر السلطان عثمان الثاني إلى العزم على ملاشاتهم ، وأمر بجمع عساكر جديدة في آسيا وتعليمهم أصول الحرب الحديثة. فاستاء اليكجرية من