هاجمين على السرايا ، حيث كان السلطان محمود ، فجمع السلطان حالا الطّوبجية ومن عنده من العساكر الجديدة ، وانتشب القتال بين الفريقين مدة يومين ، وأصبحت المدينة في خطر عظيم من تلك النيران التي أضرمها اليكجرية. وكانت عساكر السلطان محمود قليلة ضعيفة ورعاع المدينة قد اتحدت مع اليكجرية والمتعصبون لهم يحركون العامة ويهيجونهم ، فرأى السلطان أنه لم يبق له إلا وجه واحد للتخلص من أيدي أولئك القوم العصاة ، وهو أن يقتل السلطان مصطفى فيبقى وحده من سلالة بني عثمان ، ففعل ثم خرج ووقف وحده أمام ذلك الجمهور الهائج فلم يجسر أحد أن يمد إليه يدا ، وسلم قواد العساكر الذين قاتلوا عنه في السرايا للعدو لكي ينتقموا منهم بحسب إرادتهم ، وأقسم بأنه لا يجدد إلى الأبد ذلك النظام الجديد المكروه. وأجاب اليكجرية إلى كل ما طلبوه ، وأطلق لهم العنان كجاري عادتهم حتى إنه قيّد اسمه يكجريا في إحدى أورطهم.
ومن ذلك الوقت وقع القضاء على اليكجرية لأن انقياد السلطان محمود وتسليمه لهم في كل شيء لم يكن إلا بقصد الغلبة عليهم ، فأخذ من ذلك الوقت بعزم شديد يستخدم التدابير اللازمة المؤدية إلى المرغوب ، ودام مدة ثمان عشرة سنة منتظرا الفرصة لتنكيس تلك السيطرة وإنقاذ السلطنة من مخالبها الحادة. وكان جماعة من الطّوبجيّة قد تعلموا من عدة سنين طريقة الإفرنج في استخدام المدافع ، إلا أنهم لقلة عددهم وقصر معرفتهم في استعمال المدافع كان اليكجرية يزدرون بهم. وأما السلطان فكان يزيد عددهم ويقويهم شيئا فشيئا لكي يعتمد عليهم عند الاقتضاء. وفي تلك الأثناء حصلت حركة الأروام فصارت حجة لتعليم تلك الزمرة أصول العسكرية وزيادة عسكرهم ، وكانوا شديدي البغضة لليكجرية ، وكان السلطان لا يألو جهدا عن اتخاذ كل الوسائل لتقوية تلك الحماسة فيهم نحو اليكجرية.
وفي سنة ١٢٤١ بلغ عدد الطوبجية في القسطنطينية أربعة عشر ألفا ، وكانوا جميعا خاضعين خضوعا تاما للسلطان ، خبيرين بأمور الحرب ، خلافا لليكجرية الذين كانوا دائما يجلبون عارا على الراية العثمانية بعدم انقيادهم إلى قوادهم عند القتال ، ورغبتهم الوحشية في سفك الدماء والسلب عند الانتصار ، وكانوا قد أغضبوا الناس بمظالمهم وتعدياتهم ، والعلماء بإدعائهم السيادة عليهم ، وقوادهم بما كانوا يبدونه من الجبن والتمرد على أوامرهم. ولما ظهرت ـ من انتصارات عساكر إبراهيم باشا في حرب المورة ـ القوة التي يكسبها