بيته وهم يودعونه باللعن والشتائم. ومن فظائعهم أيضا أنهم كانوا يدخلون رأس الكلب في بطيخة خضراء فارغة ويرسلونه في الأسواق والشوارع ، ووراءه واحد منهم ينادي بقوله : تنحّوا عن طريق السيّد (لأن السادة كانوا يلبسون في رؤوسهم العمائم الخضر).
ومما كانوا مستولين عليه من الحرف والمهن حرفة اللحّامين ، فقد كان معظمها في أيديهم ، وكان الرجل لا يقدر أن يطبخ في بيته إلا نوع الطعام الذي يأمره به لحّامه ، فلربما أمره عدة أيام بأن يطبخ نوعا واحدا من الطعام لأن اللحمة التي عند لحامه لا تصلح لغير ذلك النوع ، ولا يستطيع الرجل أن يشتري من لحام آخر مطلوبه من اللحم ، لأنه إذا فعل ذلك فربما يقضي لحامه عليه. فاتفق أن رجلا كان اسم لحامه رحمون آغا فكانت زوجة الرجل إذا سألته : ما ذا نأكل في هذه الليلة؟ يجيبها بقوله : «الإرادة لرحمون آغا». فسارت هذه الكلمة مسير المثل في حلب يتمثل به من كانت إرادته تبعا لإرادة من هو أقوى منه.
والخلاصة أن الفظائع التي كانت تجريها هذه الطغمة الشريرة كثيرة جدا يحتاج استقصاؤها إلى مجلّد على حدته ، وأن جميع ما كان يجريه عليهم الولاة من العقوبات والمصادرة والتعذيب قليل من كثير مما كانوا يستحقونه. فالحمد لله الذي أراح منهم البلاد والعباد.
انتهى ما قصدنا إلى إيراده من الكلام على أحوال الطائفة اليكجرية. ولنعد الآن إلى سرد الحوادث فنقول : في سنة ١٢٤٢ ولي حلب سيروزي يوسف مخلص باشا ابن إسماعيل بك من أعيان سيروز. وفيها حدث بحلب طاعون جارف بلغ عدد وفياته اليومية نحو أربعمائة نسمة. وفي سنة ١٢٤٣ ولي حلب الصدر الأسبق رؤوف باشا. وقرأت في السجل المحفوظ في المحكمة الشرعية أنه في هذه السنة رفع مفتي حلب أحمد أفندي الجابري ، ونقيب أشرافها عباس أفندي طه زاده ـ وغيرهما من وجهاء حلب ـ إلى الحاكم الشرعي أن بكير آغا ابن كعدان ، وعبيد بن الجذبة وأتباعهما ـ وهم مصطفى وعواد وأحمد بن هاشم ـ عازمون على العود إلى حلب والإضرار بأهلها ، فهم ـ أي المفتي ونقيب الأشراف ورفقاؤهما ـ يطلبون من الحاكم الشرعي أن يحكم بقتلهم : فأحضر الحاكم أهل المحلات