إذا لم تستطع شيئا فدعه |
|
وجاوزه إلى ما تستطيع |
وكيف تريد أن تدعى حكيما |
|
وأنت لكلّ ما تهوى تبوع؟ |
(٣) الإلحاح بالانتقام من عدوهم إذا ظفروا به ، حتى إنهم ليبطشون ببعضهم إذا طرأ بينهم خصام ونزاع ، فترى سورة الغضب في أحدهم تحمله على أقصى ما تجود به قوته من الضرب والبطش.
إن التهور وقلة التبصر في العواقب قد كلّفا الأرمن أن يريقوا من دمائهم بحارا دون أن يحصلوا من ذلك على جدوى.
إن من تصفح التاريخ ونقّب فيه عن حوادث الزيتون والأرمن ، وعما طرأ على مرعش من الخراب المتكرر ، يظهر له جليا أن قيام الأرمن وتمردهم على الحكومات الإسلامية لم يخل منها زمن من الأزمان ، يقومون على الحكومات تارة بأنفسهم وأخرى بواسطة الروم الذين يشنون الغارات على جهات الأناضول بإغراء الأرمن والالتجاء إليهم ، ينضمون إلى الصليبيين تارة وإلى التاتار أخرى ، فلا ينالون من ذلك سوى الفشل الذي كان الأحرى بهم أن يقودهم إلى العيش مع جيرانهم بالمسالمة والوفاق كما يعيش غيرهم من بقية الطوائف المسيحية التي تعيش في غبطة من السلام والوئام.
انظر إلى ما كتبناه في الكلام على مرعش يظهر لك أن هذه البلدة خربت بمشاغب الأرمن خمس مرات ، أعاد بناءها في المرة الأولى معاوية ، وفي الثانية العباس بن الوليد ، وفي الثالثة الوليد بن هشام ، وفي الرابعة صالح بن علي ـ في خلافة المنصور ـ وفي الخامسة سيف الدولة بن حمدان. ثم تنقلت عليها الولاة المسلمون حتى استولى عليها كيخسرو بن قليج أرسلان السلجوقي ، وكأنه استصعب حفظها والقيام بها فوهبها لبعض طهاته ، وهو حسام الدين ، ثم انتقلت عنه لأولاده إلى أن كانت سنة ٦٥٦ فعجز عماد الدين ـ آخر من تولاها من أولاد حسام الدين ـ عن ضبطها لتواتر غارات الأرمن عليها ، فعرضها على كيكاوس صاحب الروم فأباها ، فعرضها على السلطان صلاح الدين فأباها أيضا ، فرحل عنها وتسلمها الأرمن حتى أخرجهم منها سنة ٩٠٠ علاء الدولة بك أحد أمراء الدولة ذي القدرية (١) وعمرها في موضعها الحالي وأجلى الأرمن عنها إلى أن
__________________
(١) انظر حاشية المؤلف عند كلامه على حوادث سنة ٧٦٧ ه.