وكثيرا ما كان القوميسير نفسه يتجّر بالبضائع لحسابه فيشحن إلى بيروت أو دمشق أو استانبول بضاعة من البضائع التي تربح كثيرا لأن غيره لا يقدر على شحنها ، فيربح من تلك البضاعة أرباحا طائلة يختص بها وحده. وربما كان يشرك معه في هذا الربح أحد كبار الموظفين إسكاتا له ، ويتحدث الناس عن أحد القوميسيرية أنه جمع مئات ألوف من الليرات بواسطة هذه الوظيفة. أما أمراء العسكرية فجميعهم إلا قليلا منهم لم يألوا جهدا بسلب أموال الدولة والرعية ؛ منهم من كان متسلطا على متعهدي الأرزاق العسكرية ومنهم من كان موكولا إليه شراء الدوابّ أو غيرها من لوازم الحرب ، ومنهم من كان مأمورا بالديوان العرفي أو معيّنا كناظر على استلام الحبوب أو الدقيق أو الخبز أو الحطب أو غير ذلك من الخدم والوظائف التي لصاحبها سلطة ونفوذ في جماعة التجار أو الزراع أو الصناع فكان كل واحد من أولئك المأمورين لا يمضي وصلا ولا يصدق على عمل من هذه الأعمال إلا بعد أن يأخذ القدر الذي يرغبه ويرضيه.
وكان الموظفون على أهراء الحبوب العشرية لا يتسلمون الحب ممن يقدمه إليهم إلا مغربلا خالصا من كل غشّ ، ويأخذون منه الثمانية ، عشرة ، ثم يخلطون الحب ترابا ومدرا عشرة أو عشرين في المائة ، وحين تسليمه ينقصون وزنه عشرة أو عشرين في المائة. يفعلون هذا علنا دون مبالاة من أحد ؛ لأن من يخافون سيطرته عليهم قد سدّوا فمه وأعموا عينه بمقدار ما يرضيه من المال مهما كان كثيرا ؛ لأن الأهراء قد يزيد فيه (١) من الغلة نحو ألف شنبل أو أكثر. فإذا فرضنا أن حافظ الأهراء باع كل شنبل بخمسمائة قرش يحصل في يده من النقود ما مجموعه نصف مليون من القروش ، وهو مبلغ كبير يشبعه هو وآمريه.
والخلاصة أن كل مستخدم في الملكية أو العسكرية من كبير وصغير ـ سوى قليل منهم ـ قد جمع في أيام هذه الحرب ثروة مدهشة طغى من أجلها وبغى وامتطى خيول السرف والترف ومشى في الأرض مرحا ، وتمنى أن تمتدّ مدة هذه الحرب ما دام حيا. وكنت إذا مررت على حوانيت صاغة الحلي تراها غاصة بنساء الضباط والأمراء والموظفين ، فكان الصاغة يشتغلون في الليل والنهار ولا يتاح لهم أن يقدموا الحلي إلى طلابه في الوقت
__________________
(١) كذا ، والصواب «فيها» لأن الضمير يعود على «الأهراء» وهي مخازن الحبوب.