فيها ثم أقفل ، فاعترضه البطريق في الدرب بالجيش ، وارتفع في ذلك الوقت سحاب عظيم وجاء مطر جود (١) ، ووقع القتال تحت المطر ومع البطريق نحو ثلاثة آلاف قوس ، فابتلّت أوتار القسيّ فلم تنفع فانهزم أصحابه. ثم انهزم بعد أن قاتل وأبلى ، وعلقت به الخيل فجعل يحمي نفسه حتى سلم.
واتصل بسيف الدولة خبر يانس ، سبط الدمستق شمشقيق البطريق ، في متابعته الغارة على أطراف ديار بكر وتقديره أنه آمن ببعد سيف الدولة. فسار سيف الدولة في يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من محرّم سنة ٣٤٥ ولما وصل إلى حرّان لقيته وجوه بني نمير لائذين به وسألوه العفو عن كل شيء كان أنكره عليهم ، فأجابهم إلى ذلك وتنكّب طرق الجادة وأخذ على حصن الران إلى حصن الحمة إلى حصن بارقبين ، وجميعها له وفي يده ، ودخل منه غازيا في يوم السبت لأربع بقين منه. وقد كان البطريق ومن تجمع إليه من البطارقة ورد الدرب للغارة على بلد آمد ، فلما أشرف سيف الدولة ولّوا منهزمين ونزل سيف الدولة بشاطئ بحيرة سميساط وخيوله تركض وتأسر وتحرق وتسبي.
ثم سرى في يوم الأحد بغلامين من غلمانه إلى شط أرسناس وسار في أثرهما فنزل ضيعة تعرف بأنحى في لحف (٢) حصن زياد. وعادت سريته غانمة سالمة. وبكّر فسار إلى شط أرسناس فنزل على حصن أشوان بإزاء مدينة يقال لها الأشكونية وهي مسكن البطريق وكان أخذ معه سفنا مخلّعة وأطوافا ، فلما خيّم بشاطئ النهر يوم الاثنين لليلتين بقيتا من المحرم عبر بعض خيوله سابحة إلى ناحية الأشكونية فسبت وغنمت ، وابتدأ بعمل السفن والأطواف ففرغ من عدّة منها في بقية يومه وباكر تعبير (٣) الرجال فيها في يوم الخميس ، فقصد مدينة تل البطريق فأحرقها وانكفأ إلى أخرى يقال لها أسفوان فألحقها بأختها ، وشنّ الغارات في تلك الأطراف ، وبلغ ذلك من الروم مبلغا عظيما وعاد إلى سواده وعسكره ظافرا غانما ، ورحل يوم السبت لثلاث خلون من صفر فقصد بلدا يقال لها هورى فأحرقه وما اجتاز به من بلاد الروم وسبى وقتل.
__________________
(١) أي غزير.
(٢) اللّحف : أصل الحصن والجبل ونحوهما.
(٣) أي جعلهم يعبرون الماء.