وسكناته مثل الميّت بين يدي غاسله يقلّبه كيفما شاء. وفي هذا ورد على لسان سيّدنا إبراهيم عليه السلام عندما وُضع في المنجنيق ليُرمى به إلى النار ، فهبط جبرئيل عليه السلام عليه قائلاً : يا إبراهيم ، ألك حاجة؟ فقال عليه السلام : حَسْبي مِن الله علمُه بحالي (١).
ونعود من جديد لنؤكّد أنّ التوكّل لا يعني ترك العمل بسنّة الأسباب ، ولكن يكون العبد وثوقه بالله سبحانه ، بأنّه هو مسبّب الأسباب ، وأنّ الأسباب لا استقلاليّة لها ولا أثر إلّا بإذنه وإرادته عزّ شأنه ، وهي تجري في النواميس وجميع مفاصل الكون ومفردات الوجود وفق المصالح والحكم التي لا يعلمها غيره ، فقد ورد في الآثار الصحيحة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لأعرابي أهمل ناقته بحجّة التوكّل على الله : إعقلْها وتوكّل (٢).
وقد أمر الله عبده موسى بن عمران عليه السلام بالتداوي بالعقاقير لنيل شفائه من علّته ، فحقيقة التوكّل قائمة على دعامتين مهمّتين :
١ ـ عدم الاعتماد ـ في مسألة التوكّل ـ على إلغاء الأسباب الظاهريّة والسنن التي يجري عليها نظام الكون وفق التقديرات الإلهيّة والمشيئة الربّانيّة.
٢ ـ توجيه الثقة والاعتماد على الله سبحانه الذي هو مسبّب الأسباب وأنّه يتولّى تدبير أمر عبده ، ويمنحه التوفيق والتسديد ، ويمنّ عليه بالكرامة والحرمة. وقد ورد في الآثار المعتبرة أنّ الله سبحانه أوحى إلى عبده داود عليه السلام : يا داود من دعاني أجبته ، ومن استغاثني أغثته ، ومن استنصرني نصرته ، ومن توكّل علَيّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ تفسير الثعلبيّ ٦ : ٢٨١.
٢ ـ سنن الترمذيّ ٤ : ٧٧ / ح ٢٦٣٦.