المبحث التاسع والعشرون : في اليقين
قال الديلميّ في «إرشاد القلوب» ما نصّه : فأوّل مقامات الإيمان : المعرفة ، ثمّ التصديق ، ثمّ اليقين ، ثمّ الإخلاص.
الإيمان اسم لهذه الأُمور كلّها ، فأوّلها النظر بالفكر في الأدلّة ونتيجة المعرفة ، فإذا حصلت المعرفة لزم التصديق ، وإذا حصل التصديق والمعرفة وُجِد اليقين ، فإذا صحّ اليقين انهالت أنوار السعادة في القلب بتصديق ما وعد به الله تعالى من رزق في الدنيا وثواب في الآخرة ، وخشعت الجوارح من مخافة ما توعّد به الله جلّ وعلا من العقاب ، فقامت بالعمل ، وانزجرت عن المحارم ، وحاسب العقلُ النفسَ على التقصير في الذكر والتنبيه على الفكر ، فأصبح صاحب هذا الحال نطقهُ ذِكراً ، وصمته فكراً ، ونظره اعتباراً. واليقين يدعو إلى قصِرَ الأمل ، وقصر الأمل يدعو إلى الزهد ، والزهد ينتج النطق بالحكمة لخلوّ البال من هموم الدنيا ، لقوله عليه السلام : من زهد في الدنيا استراح قلبه وبدنه ، ومن رغب فيها تعب قلبه وبدنه (١).
فلا يبقى له نظر إلّا إلى الله ، ولا رجوع إلّا إليه ، كما مدح الله سبحانه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ إرشاد القلوب : ١٢٥ ـ الباب ٣٧ في اليقين.