المبحث الخامس والأربعون : في نفي الشريك عن الله سبحانه
إنّ الإنسان منذ اللحظة الأُولى التي يفتح عينيه على الكون والوجود يُحسّ بسريان قانون العلّة والمعلوليّة ، كنظام جارٍ في كلّ المفردات والتصرّفات ، ومن هنا تبدأ ميوله إلى الحس والتفكير والاستدلال والاستنتاج. إنّ الفطرة الإنسانيّة تهتف في أعماق النفس بأنّ لهذا الكون خالقاً ومدبّراً ، وأنَّ لهذا النظام مُنظِّماً ، وأنّ وراء هذه الكمالات موجوداً كاملاً ، ذلك هو الله جلّ وعلا.
وعندما يتفاعل عامل الحسّ مع عالم الخيال ، نرى أنّ هذا الإنسان يبدأ برسم صورة لكلّ ما هو منزّه عن المادّة من المعقولات.
يقول السيّد الطباطبائيّ قدس سره : وقد قضت هذه العادة اللازمة على الإنسان أن يصوّر لربّه صورة خياليّة على حسب ما يألفه من الأمور الماديّة المحسوسة ، حتّى أنّ أكثر الموحّدين ممّن يرى تنزّه ساحة ربّ العالمين تعالى وتقدّسَ عن الجسميّة وعوارضها يُثبت في ذهنه له تعالى صورة مبهمة خياليّة معتزلة للعالم ، تبادر ذهنه إذا توجّه إليه في مسألة أو حَدَّث عنه بحديث ، غير أنَّ التعليم الدينيّ أصلح ذلك بما قرّر من الجمع بين النفي والإثبات ، والمقارنة بين التشبيه والتنزيه ، يقول الموحّد المسلم : إنّه تعالى شيء ليس كمثله شيء ، له قدرة لا كقدرة خلقه ، وعلم لا كالعلوم ، وعلى هذا القياس.