وقلَّ أن يتّفق لإنسان أن يتوجّه إلى ساحة العزّة والكبرياء ونفسُه خالية عن هذه المحاكاة ، وما أشَدَّ أن يسمح الوجود برجل قد أخلص نفسه لله سبحانه غير متعلّق القلب بمن دونه ، ولا ممسوس بالتسويلات الشيطانيّة ، قال تعالى : (سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّـهِ الْمُخْلَصِينَ) (١).
وقال حكاية عن إبليس : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٢).
وبالجملة ، الإنسان شديد الولع بتخيّل الأمور غير المحسوسة في صورة الأمور المحسوسة (٣).
إنّ الإنسان جزء لا يتجزّأ من هذا الكون الرحيب ، وهو أحد مفردات هذا الوجود الخاضع المستسلم للإرادة الإلهيّة ، فالطاعة التكوينيّة هي شأنُ كلّ الموجودات الكونيّة بما فيها الإنسان نفسه ، فهو يوجد بغير إرادته ، ويصوّره الله كما يشاء ، وتعمل أعضاؤه كالقلب والدماغ دون إرادته ، وهكذا هو في كثير من أموره إلى أن يخرج من هذه الدنيا بغير إرادته. ولكن هناك طاعة أخرى خُصّ بها الإنسان حيث إنّه ذو أهليّة وقدرة على التفكير والاختيار ، فأصبح تكليفه الطاعة التشريعيّة القائمة على القدرة على الفعل أو الترك بالاختيار. ومسألة العبادة قضيّة ومبدأ كونيّ عاما يقع تحت قاعدة كليّةٍ مَفادُها أنّ الضعيف يخضع للقويّ ، والناقص يخضع للكامل.
والعبادة لها عنصران :
الأوّل : هو الحالة النفسيّة التي تعتري الضعيف من هوان وذلّة وخضوع أمام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الصافّات : ١٥٩ ـ ١٦٠.
٢ ـ سورة ص : ٨٢ ـ ٨٣.
٣ ـ تفسير الميزان ١٠ : ٢٧٣.