إبراهيم عليه السلام بقوله : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) (١).
يعني رَجَاعٌ إلى الله ، لا نظر له للدنيا ، وعلى قدر يقين العبد يكون إخلاصه وتقواه ، وهذه الأحوال الصحيحة توجب لصاحبها حالاً يراها بين اليقظة والنوم ، ويحصل باليقين ارتفاع معاوضات الوساوس النفسيّة لأنّه رؤية العيان بحقائق الإيمان ، وهو أيضاً ارتفاع الريب بمشاهدة الغيب ، وهو سكون النفس دون جَوَلان الموارد ، ومتى استكمل القلب بحقائق اليقين ، صار البلاء عنده نعمة ، والرخاء مصيبة حتّى أنّه يستعذب البلاء ، ويستوحش لمطالعة العافية (٢).
أُنظر قوله تعالى : (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٣).
إنّ (ملكوت) صيغة مبالغة من المُلك جاءت للتأكيد ، والمراد به السلطنة الإلهيّة المطلقة على مفاصل الكون ومفرداته ، وملكيته له سبحانه ملكاً حقيقيّاً لا زوال له ، ولا تأثير لغيره فيه ، وبعد هذه الرؤية التي كتبها الله لإبراهيم عليه السلام رفعه إلى درجة اليقين.
قال صاحب «الميزان» قدس سره ما نصّه : الآيات ـ كما ترى ـ تعلّل المُلك بالخلق ، فكون وجود الأشياء منه ، وانتساب الأشياء بوجودها وواقعيّتها إليه تعالى هو الملاك في تحقّق ملكه ، وهو بمعنى ملكه الذي لا يشاركه فيه غيره ، ولا يزول عنه إلى غيره ، ولا يقبل نقلاً ولا تفويضاً يغني عنه تعالى وينصب غيره مقامه.
وهذا هو الذي يُفسَّر به معنى الملكوت في قوله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ هود : ٧٥.
٢ ـ إرشاد القلوب : ١٢٥ ـ الباب ٣٧ في اليقين.
٣ ـ الأنعام : ٧٥.