أمّا حبّ الدنيا فهو على قسمين :
١. حبّ الدنيا المحمول على نحو الموضوعيّة ، وهذا معناه الانشداد إلى زخارفها وغواياتها وشهواتها وهو معنى سلبيّ مذموم.
٢. حبّ الدنيا المحمول على نحو الطريقيّة ، وهو معنى إيجابيّ يُراد به استغلال الإنسان للفترة الزمنيّة التي وهبها الله له لتحقيق مرضاة الله ، بسلوك طريق العبادة ، وفعل الخيرات والمبرّات ، وتعظيم شعائر الله ، وبذل الغالي والنفيس لوجهه الكريم ، فهنا تكون الدنيا مزرعةً للآخرة ، وجسراً إلى الجنّة ، وتكون مَتْجَر الأولياء ، وكنز العرفاء ، وميدان النصر على الهوى والشيطان لبلوغ ولاية الله.
قال أمير المؤمنين عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) : لا تَنسً صحّتَك وقوّتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلبَ بها الآخرة (١).
وهؤلاء السالكون قد أفاض الله عليهم مواهبه ، فعصمهم من الشيطان وسلطانه ، وخيله ورَجِله وأتباعه ، قال تبارك وتعالى : (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَـٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (٢).
وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرتبة فإنّ اليسير من عبادته خير من الكثير من عبادة غيره ، فالقبول أكثر التصاقاً بالنوع دون الكمّ ، وهناك فارق بين الإجزاء والقبول ، فقد يؤدّي الإنسان صلاته أو صومه ويكون أداؤه مجزئاً ومُبْرئاً للذمّة ، ولكن لا يترتّب عليه ثواب ، أمّا القبول فالمراد منه ترتّب الثواب على العمل على نحو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ معاني الأخبار : ٣٢٥ ، والآية في سورة القصص : ٧٧.
٢ ـ الحجر : ٣٩ ـ ٤٢.