وهذه اللذّة لا يعرفها إلّا من ذاقها ، إذ كيف تصف لذّة مشاهدة المشاهد الخلّابة والصور الجميلة ليتلذّذ بها الأعمى ، أو سماع الأصوات الجميلة الرقيقة ليجد الأصمّ لذّة سماعها؟
والمانع من بلوغ وإدراك هذه اللذّة ، والحاجب الذي يحول بين الإنسان وربّه هو الذنوب والمعاصي والانشداد إلى النزوات والتراب بدلاً من ربّ الأرباب ، فكلّما كانت النفوس أقرب إلى الكمال والنقاء كانت أقرب إلى حالات التجلّي ، وهذا يقودها إلى ساحة اللذّة أكثر.
وتختلف درجات العارفين ومقامات السالكين بقدر معرفتهم بالله سبحانه ، وأرقى ما يمكن تصوّره هو عبادة النبيّ صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم السلام ، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ، ولا طمعاً في ثوابك ، ولكنّي وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك (١).
وقال عليه السلام : الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنّة ، لأنَّ الجنّة فيها رضا نفسي ، والجامع فيه رضا ربّي (٢).
وقد وضع الشارع المقدّس علامة دالّة على صدق المعرفة ، وهي حبّ لقاء الله سبحانه وعدم التمسّك بعرى الدنيا وأسباب البقاء.
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّـهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ غوالي اللآلئ ٢ : ١١ / ح ١٨ ، بحار الأنوار ٤١ : ١٤ / ح ٤. وفي بعض المصادر : ما عبدتُك خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنّتك. [بحار الأنوار ٦٧ : ١٦٨ ، ٢٣٤ ، مرآة العقول للشيخ المجلسي ٢ : ١٠١ ـ باب النيّة].
٢ ـ اُنظر : عدّة الداعي : ١٩٤.