[٥٨١] فإن قيل : كيف قال الله تعالى هنا : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء : ١٤] وقال في موضع آخر (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء : ٤٧]؟
قلنا : مواقف القيامة مختلفة ، ففي موقف يكل الله حسابهم إلى أنفسهم وعلمه محيط به ، وفي موقف يحاسبهم هو.
وقيل : هو الذي يحاسبهم لا غيره ، وقوله تعالى : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أي يكفيك أنك شاهد على نفسك بذنوبها عالم بذلك ، فهو توبيخ وتقريع لا أنه تفويض لحساب العبد إلى نفسه.
وقيل : من يريد مناقشته في الحساب يحاسبه بنفسه ، ومن يريد مسامحته فيه يكل حسابه إليه.
[٥٨٢] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الإسراء : ١٥] يرد ما جاء في الأخبار أن في يوم القيامة يؤخذ من حسنات المغتاب والمديون ويزاد في حسنات رب الدّين والشخص الذي اغتيب ، فإن لم تكن لهما حسنات يوضع عليهما من سيئات خصميهما ، وكذلك جاء هذا في سائر المظالم؟
قلنا : المراد من الآية أنها لا تحمله اختيارا ردا على الكافرين حيث قالوا للذين آمنوا (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢] الآيتين ، والمراد من الخبر أنها تحمله كرها فلا تنافي ، وقد سبق هذا مرة في آخر سورة الأنعام.
[٥٨٣] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) [الإسراء : ١٦] وقال في آية أخرى (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) [الأعراف : ٢٨]؟
قلنا : فيه إضمار تقديره أمرناهم بالطاعة ففسقوا. وقال الزّجّاج : ومثله قولهم أمرته فعصاني ، وأمرته فخالفني ؛ لا يفهم الأمر بالمعصية ولا الأمر بالمخالفة.
الثاني : أن معناه كثرنا مترفيها ، يقال أمرته وآمرته بالمد والقصر يعني كثرته ، وقد قرئ بهما ، ومنه الحديث : «خير المال مهرة مأمورة وسكّة مأبورة» ، أي كثيرة النتاج والنسل.
الثالث : أن معناه أمرنا مترفيها بالتشديد ، يقال أمرت فلانا بمعنى أمرته : أي جعلته أميرا ، فمعنى الآية سلطانهم بالإمارة ، ويعضد هذا الوجه قراءة من قرأ أمرنا بالتشديد.
__________________
[٥٨٣] الحديث أخرجه أحمد في مسنده : ٣ / ٤٦٨.
مأمورة : أي كثيرة النتاج والنسل.
سكة : هي الطريقة من النخل أو السطر منه ، أي النخل المتجاور.
مأبورة : ملقحة.