وفسادهم مستلزما لصلاح الرعية وفسادها غالبا خصّهم بالذّكر ، ويؤيد هذا ما جاء في الخبر : «صلاح الوالي صلاح الرّعيّة ، وفساد الوالي فساد الرّعيّة».
[٥٨٧] فإن قيل : قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) [الإسراء : ١٨] الآية ، يدل على أن من لم يزهد في الدنيا ولم يتركها كان من أهل النار ، والأمر بخلافه.
قلنا : المراد من كان يريد بإسلامه وطاعته وعبادته الدنيا لا غير ، ومثل هذا لا يكون إلا كافرا أو منافقا ، ولهذا قال ابن جرير : هذه الآية لمن لا يؤمن بالمعاد ، وأما من أراد من الدنيا قدر ما يتزود به إلى الآخرة فكيف يكون مذموما ، مع أن الاستغناء عن الدنيا بالكلية وعن جميع ما فيها لا يتصور في حق البشر ولو كانوا أنبياء ، فعلم أن المراد ما قلنا.
[٥٨٨] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) [الإسراء : ٢٠] أي ممنوعا ، ونحن نرى ونشاهد في الواقع أن واحدا أعطاه قناطير مقنطرة وآخر منعه العطاء حتى الدانق والحبة؟
قلنا : المراد بالعطاء هنا الرزق ، والله تعالى سوّى في ضمان الرزق وإيصاله بين البر والفاجر والمطيع والعاصي ، ولم يمنع الرزق عن العاصي بسبب عصيانه ، فلا تفاوت بين العباد في أصل الرزق ، وإنما التفاوت بينهم في مقادير الأملاك.
[٥٨٩] فإن قيل : كيف منع الله تعالى الكفار التوفيق والهداية ولم يمنعهم الرزق؟
قلنا : لأنه لو منعهم الرزق لهلكوا وصار ذلك حجة لهم يوم القيامة ، بأن يقولوا لو أمهلتنا ورزقتنا لبقينا أحياء فآمنا.
الثاني : أنه لو أهلكهم بمنع الرزق لكان قد عاجلهم بالعقوبة ، فيتعطل معنى اسمه الحليم عن معناه ؛ لأنّ الحليم هو الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه.
الثالث : أن منع الطعام والشراب من صفات البخلاء الأخساء ، والله تعالى منزه عن ذلك.
وقيل : إعطاء الرزق لجميع العبيد عدل ، وعدل الله عام ، وهبته التوفيق والهداية فضل ، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
[٥٩٠] فإن قيل : ما فائدة قوله : «عندك» في قوله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) [الإسراء : ٢٣].
قلنا : فائدته أنهما يكبران في بيته وكنفه ويكونان كلّا عليه لا كافل لهما غيره ، وربما تولى منهما من المشاقّ ما كانا يتوليان منه في حال الطفولية.