الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف : ٢٠١] فهؤلاء هم أصحاب الجنة المتقون ، الذين عاشوا روحيتها في روحيتهم ، وأخلاق أهلها في أخلاقهم في الأرض قبل أن ينتقلوا إليها.
(بَلى) ليس الأمر كما قالوا وزعموا زعما بعيدا عن كل حقيقة ، بل المسألة خاضعة لقاعدة ثابتة في ثواب الله وعقابه ، مما لا يرجع إلى امتيازات ذاتية لإنسان معين أو شعب معين. (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) عميقة الجذور في ذاته بحيث كان لها الدور الكبير في تغيير كل فكره وعمله في الاتجاه السلبي ، ليكون إنسانا محاصرا من كل جهة ، فلا ينفذ إلى عقله شيء من الحق ، ولا إلى حياته شيء من الخير ، فقد أطبقت عليه ضلالته (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) من كل جانب ، فأينما يتوجه ويتحرك فهناك خطيئة في فكره وفي عمله.
ولعل الشرك الذي لا يغفره الله هو التجسيد الحيّ لهذه السيئة التي يكسبها الإنسان فتبعده عن الله في توحيد العقيدة والعبادة ، ويستغرق في الصنمية التي تحوّل حياته إلى جدار مسدود لا مجال فيه للأفق الواسع ، وإلى كهف مظلم لا ينفذ إليه النور من أية جهة ، فيكون هذا الإنسان خطيئة متجسدة في حركة الباطل والشرّ والفساد في واقعة الداخلي والخارجي ، (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأن مثل هؤلاء لا يرتبطون بالله بأية رابطة تنفذ منها رحمته وينفتح عليهم رضوانه ، مما يجعل الخلود في النار هو النهاية الطبيعية التي ينتهون إليها.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) التي أراد الله لعباده أن يأخذوا بها في حياتهم الفردية والاجتماعية وفي علاقاتهم العامة والخاصة ، فكانوا التجسيد الفكري للحق ، والواقع المتحرك للخير ، الأمر الذي يجعلهم في موقع القرب من الله ، فلا يزدادون إلا خيرا وطاعة ومحبة وانقيادا له ، (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) فهم