ونواهيه ، بل يمرون مرورا سريعا ، تماما كأية فكرة طارئة ، أو وهم زائل ، وهؤلاء هم الظالمون الذين يفسدون في الأرض ويبغون فيها بغير الحق ، وينازعون الله سلطانه وكبرياءه ، عند ما يخيّل إليهم أنهم آلهة صغار ، من خلال نوازع الكبرياء والعظمة الذاتية ، التي توحي بها السلطة في مظاهر القوة والسلطان ، أو الذين يشركون بعبادة الله غيره ، مما يصنعونه بأيديهم من الخشب والحجر وغيرهما ممّا يصنع منه الأصنام ، أو ممّا يصنعونه بطاعتهم وخضوعهم من أصنام اللحم والدم من الطغاة والمستكبرين الذين يصنع منهم الأتباع آلهة وسادة ، ولولاهم ما كانوا شيئا مذكورا.
هذه هي النماذج التي تكسب الخطيئة من موقع القاعدة ، هم أصحاب الخلود في النار ، وهم الذين تنطبق صفاتهم على هؤلاء اليهود الذين لم يتركوا خطيئة إلا ومارسوها بكل قوة وعزم وتصميم ، من التمرد على الأنبياء ، وقتلهم الأنبياء بغير حق ، وتحريف كلام الله ، والمتاجرة بالأكاذيب والبدع ... وغير ذلك ، مما يدل على وجود أساس روحي أو فكري للتمرد والطغيان ، أو يوحي بأن علاقتهم بالله لا تمثل شيئا كثيرا في حياتهم ليندفعوا ـ من خلاله ـ في طريق الطاعة والتوبة ؛ فكيف يرون لأنفسهم هذا الامتياز الإلهي الذي يؤمنهم من الدخول في النار؟
وأما الخالدون في الجنة ، فهم الذين عاشوا الإيمان في نفوسهم فكرا وشعورا وروحانية ، فهم يقفون أمام الله موقف المؤمن الذي يحس وجوده بمشاعره ، كما يتعلقه بفكره ، وهم الذين يعيشون الإحساس بالعبودية المطلقة التي تدفعهم إلى الخضوع والخشوع والاستسلام لله في أعمالهم ، ولكنهم قد يخطئون ويتمردون نتيجة نزوة سريعة أو هفوة طارئة مما يدخل في حساب الغفلة والنسيان ووسوسة الشيطان ، من دون أن يكون هناك أساس نفسي أو فكري يشجع على ذلك ويدفع إليه ، ولهذا نجدهم يتراجعون عند أوّل حالة انتباه أو تذكر أو يقظة ضمير ، كما حدثنا الله عنهم في قوله تعالى : (إِنَ