هؤلاء الضعفاء أسرى في يد أعدائهم ، فإنهم يعملون على دفع الفداء عنهم لينقذوهم من الأسر. إنها مفارقة تلفت النظر ؛ فإذا كانوا يؤمنون باحترام الإنسان في نفسه وأرضه ، فما معنى السلوك الأول؟ وإذا كانوا لا يؤمنون بذلك ، فما معنى السلوك الثاني؟ إنه السلوك الذي لا يرتكز على قاعدة فكرية ثابتة ، بل يخضع للعوامل الطارئة من العصبية والحميّة وغيرهما من حالات الانفعال الإنساني في العلاقات العامة ، ولهذا ينطلق القرآن ليشجب هذا الواقع ، كما في قوله تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) ، فإن الالتزام بالكتاب يفرض الالتزام بمفاهيمه ومواقفه وتشريعاته ، باعتباره القاعدة الأساسية للتفكير والموقف والعمل.
هذا بالإضافة إلى أن الأخذ ببعض الكتاب والكفر ببعض آخر ، يشوّه الصورة الحقيقية للفكرة ، وذلك كما يفعله بعض الحكام الذين يأخذون بقوانين العقوبات في الإسلام كالحدود ، فيجلدون شارب الخمر ، ويقطعون يد السارق ، ولكنهم لا يأخذون بالتشريعات الإسلامية في العدالة الاجتماعية ، والنظام الأخلاقي ، والتخطيط الاقتصادي ، بحيث لا ينطلق السارق من حاجة اقتصادية ضاغطة بل من عقدة ذاتية مستعصية ، الأمر الذي يعطي الصورة المشوّهة القاسية عن الإسلام من خلال الواقع الضاغط أمام التشريع الصعب.
وربما كانت المسألة تمثل الازدواجية بين العقدة الذاتية المتحكمة في علاقات بعضهم ببعض ، في خلافاتهم العميقة الشديدة التي يمثلها قوله تعالى : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر: ١٤] وبين الهيكلية الاجتماعية في موقفهم الموحد أمام الآخر الذي يهدد وجودهم فينتصرون لبعضهم البعض في مواجهته.
* * *