عليه حياته ، فلتكن المواجهة من باب النصيحة والتحدي. (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على ذلك ، بتقديم الأسس العقيدية التي تحدد للإنسان قضية المصير في الآخرة من الجنة والنار ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في هذه الدعوى ، لأنّ الصدق يتطلّب الإثبات الذي ترتكز عليه القناعة العقلية والوجدانية ، وهذا ما يفقده هؤلاء في ما يملكونه من وسائل الإقناع والإثبات.
ثم يتابع القرآن تحديد الأسس التي تنطلق من خلالها الحجّة : (بَلى) ، ليس الأمر كما تقولون يا أصحاب الأماني ، فلستم أهل الجنة ، لكن أهلها (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ). فالآمنون يوم القيامة هم الذين يسلمون وجوههم لله في الفكر والعقيدة والعبادة ، فلا ينطلقون في فكر أو عقيدة إلا إذا كان ينسجم مع الحقيقة المنسابة من وحي الله ، ولا يدخلون في عبادة إلا من خلال تجسيدها للمعنى الحقّ لعبودية الإنسان لله ، فلا يشركون بعبادته غيره ولا يعبدون سواه. (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ، وهم الذين لا يعيشون هذا الإسلام في حياتهم الداخلية فحسب ، ليتجمد في لحظات التأمل والفكر والخشوع الروحي المناسب في أجواء صوفية غامضة حالمة ، بل يتحول في حياتهم العملية إحسانا للحياة وللآخرين في كل ما يستطيعون أن يقدّموه من أعمال وخدمات ، وفي كل ما يملكون تفجيره من طاقات ، فلا يعيشون الأنانية في قواهم التي يملكونها ولا في فكرهم الذي يعيشونه ، بل يعتبرونها ملكا لهم وللحياة والإنسان ، لأنها هبة الله ونعمته الملتزمة بحدود المسؤولية ، فلا بد من أن تتصاعد في حياتهم صلوات عملية خاشعة في رحاب الله. (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بما قدّموه من عمل ، وبما عاشوه من إيمان ، لأن الإنسان الذي يسلم وجهه لله في كل توجّهاته في الحياة ، وفي كل تطلّعاته المستقبلية ، وفي كل علاقاته الإنسانية ، يرتبط بالله بأوثق الروابط ، ويرتفع إليه بأعلى درجات