وربما كان من القريب أن يكون السعي بالخراب لا يعبّر عن واقع مباشر في حياة قريش في مكة ، بل يعبر عن نتائج السعي في تخريب الإسلام وتدميره بما أثاروه من حروب ضده وحاولوه من إضعاف لقوّته ، وقد يتأيّد ذلك بالتعبير بكلمة «المساجد» بصيغة الجمع ، مع أنها ليست متعددة في مكة أو في بيت المقدس ، مما يرجّح أن الآية لم تجر مجرى الحديث عن القصة في نطاقها الخاص ، بل جرت مجرى الانطلاق منها كنموذج للتحدث عن الفكرة العامة ، مما يجعل أجواء الآية قريبة من التعبير عن الروح التي يعيشها أمثال هؤلاء ممن يحملون عقلية قريش وروحيتها ، فتدفعهم إلى خنق حرية المؤمنين وإلى السعي في خراب المساجد.
وقد روى صاحب مجمع البيان ، أن الرواية قد وردت بأن القرشيين قد قاموا بهدم مساجد كان أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله يتخذونها أماكن للصلاة لما هاجر النبي إلى المدينة ، وبذلك لا يبقى مجال لاعتراض الطبري (١).
ولكننا لا نستقرب هذا الوجه ، لأن الآية تتحدث عن حالة قائمة يتحرك فيها هؤلاء القوم للمنع من ذكر اسم الله والسعي في خراب المساجد ، لا تخريبها بعد رحيل المسلمين إلى المدينة. أمّا قضية الانسجام مع سياق الآيات المتقدمة ، فإننا لا نرى رأيه في اختصاص الحديث بأهل الكتاب ؛ بل الظاهر أن الحديث قد تعداه إلى غيرهم من المشركين ، لأن السياق قد تحرك في اتجاه توعية المسلمين في ما يتعلق بأوضاع الفئات التي تقف ضدهم ، كما لاحظناه في الآيات التي تحدثت عن المشركين وأهل الكتاب معا.
ونلاحظ في الآية أنها لم تتحدث عن دخولهم خائفين كواقع حيّ ليشار إلى القصة في تفسير الآية ، بل إنها تحدثت عما ينبغي أن يبلغه المسلمون من القوة التي تخيف الكافرين ؛ فإذا جاءوا إليها ـ وهي مراكز المسلمين القيادية
__________________
(١) راجع : مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٣٦١.