(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) لنسمع كلامه ، فنؤمن به من خلال حاسة السمع ، إذا لم نتمكن من معرفته من خلال حاسة البصر ، (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) معجزة لا يقدر البشر عليها لنعرف أن محمدا رسول من الله ، وليس بشرا عاديا كبقية بني البشر. (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) كما حدث ذلك لليهود ، (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) في الكفر والتعنت والعناد والمشاعر القلقة ، التي لا تنفتح على الحقائق من موقع الجديّة الواعية التي تثير علامات الاستفهام في هذا الجانب أو ذاك للوصول إلى الحقيقة ، بل تتحرك من العقدة المرضية التي تعمل على التنفيس عن ذاتها بالأساليب التعجيزية ، لأنهم لو عقلوا المسألة بطريقة واعية ، لعرفوا أن الله لا يستجيب للهو اللاهين ، أو عبث العابثين الذين يقدمون الاقتراحات من دون حاجة إليها في المجرى الكوني العام ، أو في الخط الرسالي الشامل ، لأن خرق القوانين المألوفة مخالف لحكمة الله المتحركة في السنن الطبيعية التي أودعها الله في الكون ، أو في الوسائل الضرورية لإثبات صدق الأنبياء مما لا مجال فيها للتصديق العام.
فقد حفل تاريخهم بمثلها ، إذ قال الذين من قبلهم من اليهود لموسى : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [النساء : ١٥٣] وغير ذلك ، ويضيف الله إلى ذلك قوله : (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، ليثير أمامنا القضية التالية : وهي أن المشكلة التي تواجه الأنبياء أمام شعوبهم ، هي أنهم ـ أي شعوبهم ـ لم يكونوا في موقف الذين يريدون الحصول على القناعات الذاتية في قضايا الرسالة الإلهية ، ولهذا كانوا لا يفكرون في ما يقدّم إليهم من آيات وبيّنات وبراهين ، بل كانوا ينتقلون من طلب إلى آخر في عملية الهاء وإشغال وتحديات لا معنى لها ، لأن النبي لم يأت ليغير ناموس الكون في قوانينه المودعة في الآفاق ليكون دوره الاستجابة لهم في كل ما يقترحونه عليه من هذه الأمور ، ولم تجعل له هذه القدرة الذاتية لو أراد ذلك ، بل الأمر لله في ما يفعل وفي ما لا يفعل تبعا لما يعلمه من الحكمة في ذلك كله ، بل كان دور النبي الأساس هو أن يكون بشيرا