والعناد الذي لا يملك معه الانفتاح على الحق من قريب أو بعيد. وقد اكتفى القرآن بالحديث عن خسارة الكافرين ولم يتحدث عن السبب في كفرهم ، لأن ذلك كان واضحا في الحديث عن سبب الإيمان ، وذلك كمحاولة للإيحاء لهم بضرورة التوفر على السير في خط القراءة الواعية للحصول عي فرص النجاح في الدنيا والآخرة.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) وانطلقوا من خلاله إلى آفاق المعرفة ، وتحركت علامات الاستفهام في وجدانهم ، ليلاحقوا كل مفردات القضايا الفكرية والعملية ، ليحصلوا على الأجوبة الشافية من خلال القراءة الواعية : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) في فهم عميق للمضمون الفكري ، وفي استيحاء للمشاعر الروحية ، وفي دراسة لكل جوانبها المتصلة بالله وبالحياة والإنسان ، ليحصلوا من ذلك على الثقافة الإيمانية في أجواء الإيمان المنفتح الباحث عن الحقيقة ، لا الإيمان الأعمى الغارق في ضباب التقليد ، فلا يقتصرون على الأداء اللفظي الذي يشغل البعض من الناس أو على العنصر الأدبي البلاغي ، بل يتحركون معه ككتاب عمل ووعي وحركة ومنهج للحياة ، كما جاء في الإرشاد للديلمي «يرتلون آياته ، ويتفقهون به ، ويعملون بأحكامه ، ويرجون وعده ، ويخافون وعيده ، ويعتبرون بقصصه ، ويأتمرون بأمره ، وينتهون بنواهيه ، ما هو والله حفظ آياته ، ودرس حروفه ، وتلاوة سوره ، ودرس أعشاره وأخماسه ، حفظوا حروفه ، وأضاعوا حدوده ، وإنما هو تدبر آياته ، والعمل بأركانه ، قال الله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) [ص : ٢٩].
وربما كان المراد بالكتاب التوراة ، وربما كان المراد به ما يشمل القرآن. وعلى كل حال ، فإن الفكرة تنطلق من وظيفة الكتاب في الوعي الإيماني الذي يخرج به الناس من الظلمات إلى النور ، فلا فرق ـ في ذلك ـ بين كتاب وكتاب ، فإن كل كتاب يصدق الكتاب الذي بين يديه والرسول الذي أنزل به. (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) لأن القراءة الواعية للكتاب الذي يتضمن إشراقه المفاهيم