وقربهم منه ، بطريقة منحهم حق الشفاعة في حدود ما يعلمون أنه رضى لله ، فتعود قضية التوسل بهم إلى الله تماما كالتوسل بأسمائه الحسنى ، في اعتبارها دعاء إليه تعالى أن يجعلنا ممن تنالهم تلك الشفاعة ، وأن يغفر لنا ببركتهم ، فيمن يغفر له على أساس إرادته في ذلك ، كما جرت سنّة الله أن يغفر لنا بسبب بعض الأعمال ، أو بعض المواقف والحالات النفسية.
إن ما ندعو إليه هو أن نلتزم بالتوحيد على أساس المفاهيم القرآنية التوحيدية ، وأن نحافظ على صفائه في أجواء الصفاء التي أرادنا الله أن نعيشها في الخطوط الفاصلة بين خط التوحيد وخط الشرك ، وأن لا نلجأ إلى العمق الفلسفي في ما نقبله وفي ما نرفضه في هذا المجال ، بعيدا عن حدود الشريعة وأحكامها. وربما نعود إلى هذا البحث في ما يستقبلنا من آيات الشفاعة ـ إن شاء الله تعالى ـ لنتحدث هناك عن الجوانب الفلسفية للموضوع.
(وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) وهو البدل الذي يقوم مقام المذنب في تحمل العقوبة ، كما هي الحال في الدنيا ، إذ قد يقدّم الإنسان شخصا آخر بدلا عنه في مواجهة نتائج المسؤولية ، بحيث ينجو من آثارها الصعبة. (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) من قبل أنصارهم وأصحابهم وأقربائهم ، لأنهم لا يملكون شيئا أمام الله.
أمّا ما نستوحيه من جوّ الآية ، فهو الإيحاء بأن على الإنسان أن يتحرك في حياته من موقع التفكير بأن خلاصة لا يرتبط بأي شيء مما تعارف عليه الناس من أساليب اللف والدوران من المصانعات والمجاملات والتسويات ، بل يرتبط بالخط العملي الذي يتحرك في حدود الشعور بالمسؤولية العملية ، في التصور الإنساني للموقف الحاسم في يوم القيامة الذي يقف فيه الإنسان ليواجه مصيره من خلال عمله ، فلا شيء إلا العمل مع رحمة الله ؛ مما يدعونا إلى التركيز في خطوات الحياة ، على أساس الخط العملي المستقيم ، وعلى الرجوع الخاشع إلى الله ، والارتباط الوثيق به في صفاء العقيدة وحيويتها.
* * *