التقدم ... وهنا كانت المفاجأة الإلهية التي أنقذت الموقف بمعجزة حطمت كبرياء فرعون ، كما استطاعت أن تحطم زهوه في معجزة العصا ، فشق الله البحر لموسى وقومه وفتح لهم طريقا يابسا ـ كما يحدثنا القرآن في ما نستقبله من آياته ـ وعبروا إلى الجانب الآخر ، وأراد فرعون أن يلحقهم في هذا الطريق اليابس نفسه الممتد أمامه بعد عبورهم ، فدخلت خيوله البحر فغمره الماء الذي غطّى الطريق ، وهم ينظرون إليه في حيرته الذليلة ، زيادة في إذلاله وفي إعزاز المستضعفين الذين انطلقوا في طريق الرسالة والرسول.
إن الموقف قد تحرك هنا من خلال المعجزة ، لأن الوسائل العادية قد استنفدت ، ولم يبق هناك من سبيل لإنقاذ الموقف الرسالي إلا ذلك ، فلو أن فرعون استطاع أن يدركهم لدمّرهم ودمّر موسى معهم ، مما يجعل القضية تمثل انتصارا ساحقا للكفر على الإيمان ، وهذا ما لا يريده الله في تلك المرحلة التي تحولت إلى موقف للتحدي المباشر له.
(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) أي : فلقناه وجعلنا فيه جسرا تعبرون عليه هربا من عدوكم ، (فَأَنْجَيْناكُمْ) من ظلم فرعون وطغيانه ، (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) الذين خيّل إليهم أنهم قادرون على ملاحقتكم ، من خلال الأرض اليابسة التي جعلها الله بقدرته في قلب البحر ، فاندفعوا إليه ، واندفع الماء إليهم ، فغمرهم بعد أن تجاوزتم البحر إلى البرّ ، (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إليهم ، وهم يلاقون جزاء طغيانهم في مصيرهم المحتوم.
وتلك هي قصة المعجزة في كل زمان ومكان في مسيرة النبوّات ، فهي تأتي لتنقذ الموقف حيث لا مجال للموقف البديل ، وهي ليست حدثا يوميا يأتي بمناسبة وبغير مناسبة ، كما قد توحي بذلك بعض الأقاصيص المنقولة في قصص الأنبياء والأئمة والأولياء ، فإن الله قد أقام الحياة على أساس السنن