بقرينة الآيات المتعددة التي اعتبرت الإسلام دين إبراهيم ، (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣١ ـ ١٣٢] ، (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) [الحج : ٧٨].
أما جوابنا على السؤال ، فهو أن الآية واردة في مجال تأكيد العناصر الأساسية التي تلتقي عليها الأديان واعتبارها أساسا للحصول على ثواب الله ورضاه في النطاق الفكري والعملي للدين ، بحيث ترجع كل مفرداته إليها ، وذلك كردّ على الأجواء الاستعراضية التي يحاول كل فريق أن يعتبر نفسه في خط النجاة في الآخرة بعيدا عن الالتزام الفكري والعملي بالعقيدة ، حتى كأنّ القضية قضية أسماء وواجهات ، لا قضية عقيدة وعمل ، فهي في جوّها الداخلي ، واردة مورد الآية الكريمة: (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] إنما هي واردة لمعالجة جانب واحد من القضية ، وليست لمعالجة كل الجوانب ليؤخذ بإطلاقها اللفظيّ. وعلى هذا الأساس ، فلا مانع من أن تكون الآيات الكثيرة المتنوعة في القرآن مكمّلة لمدلول هذه الآية ، باعتبار أن الإيمان بالرسول هو من شؤون الإيمان بالله بعد وضوح البيّنات والدلائل الظاهرة ، لأن الكفر به يكشف عن فقدان الأسس القوية للإيمان ؛ وهذا هو الوجه الذي يمكن أن تنسجم فيه الآية مع الآيات الأخرى التي تندد بالفئات الأخرى وتعتبرهم منحرفين في جانب العقيدة والعمل ، كما نلاحظه في الآيات التي تتحدث عن اليهود والنصارى وعن انحرافهم عن الخط المستقيم في الفكر والعمل.
وربما يخطر في البال أن الإيمان بالرسول يختلف عن الإيمان بالله في مدلوله الإيماني وفي طبيعة موقعه من العقيدة ، فإن الإيمان بالله غاية في نفسه باعتبار أن معرفته وعبادته من أسس العقيدة في ذاتها ، أمّا الإيمان بالرسول ، فقد لوحظ من حيث هو طريق للارتباط بالرسالة والعمل الصالح ، ولذلك لم