الثاني : إن الأمّة مخاطبة بأن تأخذ ما آتاها الله من الكتاب بقوّة ، فلا تستسلم للضعف الذاتي الذي تفرضه الشهوات على الإنسان عند ما تضغط عليه في الداخل ليترك الالتزام بمبادئه ومفاهيمه أمامها ، ولا تضعف أمام عوامل الضغط الخارجية التي تفرض نفسها على مصالحه لتهدده بالإساءة إليها فيما إذا حاول التمرد عليها لمصلحة إيمانه ، ممّا يجعل من قضية الموقف القوي معها قضية يفرضها الوفاء بالميثاق بين الله وبين عباده.
وقد نستوحي من ذلك ضرورة أن يعمل العاملون على تحقيق القوّة لوحي الله المنزل في الحياة ، من خلال العمل على الدعوة إليه لتحقيق امتداده في أكبر مساحة بشرية ، لأن إيجاد القوة البشرية للدعوة إلى الله يمنح الموقف قوّة في داخل الإنسان عند ما يشعر بالتماسك أمام الضغوط المتنوعة من خلال شعوره الذاتي بالقوة المستمدة من الجو العام ، كما يعطيه قوّة في ساحة الصراع حين يقف المؤمنون بقوتهم الإيمانية ليرهبوا أعداء الله ويدعموا المستضعفين من أوليائه.
الثالث : إن الإيمان يفرض على الإنسان مواجهة الأعمال الواجبة والمحرّمة في مقام الإطاعة بعمقها الفكري والروحي والعملي ، لا بشكلياتها الساذجة ، ممّا يجعل من محاولة تطويق الفكرة بالشكليات التي تعطي للطاعة معناها الحرفي على حساب أهدافها الواقعية ، قضية تشبه اللعب على الفكرة باسم الفكرة ، ولهذا اعتبر الله عملهم في السبت اعتداء على الميثاق مع أنهم لم يخالفوا حرفيّة الأمر ، فإن المطلوب هو أن لا يصطادوا في السبت ، وقد فعلوا ذلك ، ولكن بعد أن طوّقوه بإيجاد الطريقة التي تجعلهم يحصلون على نتيجة الصيد بشكل غير مباشر ، وعلى هذا الأساس ، كانت عقوبتهم قاسية في الدنيا والآخرة ، لأن هذه الطريقة التي تفرّغ الطاعة من روحيتها تتحول إلى ما يشبه السخرية والاستهزاء بالتشريع وصاحبه ، للإيحاء بقدرة المكلف على أن يتجاوز