مما يعني أن القضية لا تحتاج إلى سؤال جديد ، فبإمكانهم أن يكتفوا بما ذكر لأنه لم يذكر لهم زيادة في التفاصيل ، وأن يسكتوا عما سكت الله عنه ، لأن الله لا يحاسب العباد إلا على ما يبيّنه لهم ، فلا عقاب بلا بيان.
ولكنهم لم يكتفوا بذلك ، بل عادوا يثيرون كل ما يتصورونه من خصائص البقر ممّا يمكن أن يقع موضعا للسؤال (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) لأن ألوان البقر تتعدد ، فهل يفرض علينا الله لونا معينا لنلتزم به ، لأنك لم تحدد لنا ذلك. وجاء الجواب الثاني ليحدّد ويضيّق ، ردّا على هذا الفضول الذي لا معنى له ؛ (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) ... وعاد السؤال من جديد ، فهم لا يعرفون كيف يحصلون عليها لأنّ أنواع البقر تتشابه ، فلا يملكون الحصول على المطلوب المحدّد ، فطلبوا الصفات التي يمكن أن يجدوها بسهولة ، على الطبيعة ، (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) في خصائصها وصفاتها الواضحة التي تجعلها أكثر وضوحا ، وكأنهم شعروا بأنهم قد ذهبوا بعيدا في هذا المجال ، فابتعدوا عن الخط في هذا الإلحاح الفضولي الذي لا يتناسب مع موقفهم من النبي كما لا ينسجم مع طبيعة المسؤولية ، فوعدوه بأنهم سيسلكون طريق الهدى في نهاية المطاف ؛ (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) بالهدى الذي ترشدنا إليه في حدود المسؤولية المتصلة بالواقع العملي للطاعة في انقيادنا لأوامر الله.
وجاء الجواب أكثر تحديدا وتضييقا (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) ، لم يذللها العمل بإثارة الأرض بأظلافها ، (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) لا يستقى عليها الماء للزرع ، (مُسَلَّمَةٌ) من العيوب ، (لا شِيَةَ فِيها) لا علامات فيها تخالف لون جلدها. (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) فإن هذه الأوصاف المتعددة تضعنا في موقع الوضوح الذي لا مجال فيه للحيرة والاشتباه .. ولم يملكوا سؤالا جديدا ، (فَذَبَحُوها) لأنهم لا يجدون حجة على الامتناع (وَما كادُوا