في مسارنا العملي إلى النماذج الحية المتمثلة في واقعنا المعاصر ، ممن يقفون ضد المؤمنين والمصلحين الذين يدعون الناس إلى السير في الحياة على الخط المستقيم ، وضد الشعوب التي تطالب بالعدل والحق والحرية ، فيضطهدونهم ويواجهونهم بالقتل والتشريد والسجن والتعذيب ، لا لشيء إلا لأنهم يخافون على امتيازاتهم وأطماعهم واستغلالهم من الدعوات الإصلاحية والثورية ، سواء في ذلك الفئات الحاكمة الطاغية التي تقف في مراكز الحكم ، أو الفئات المترفة التي تملك زمام الثروة في المجتمع فتمنعها عن الطبقات المحرومة الضعيفة ، أو الفئات الكافرة الضالّة التي تملك قوّة النفوذ والسلاح ... إننا نستطيع أن نجد في كل أساليبهم وتصرفاتهم هذه الصورة التي يقدمها القرآن لبني إسرائيل ، وبهذا لا يعود التاريخ الإسرائيلي الذي قصه علينا القرآن مجرد مرحلة من مراحل الماضي ، بل يتحول ـ في وعينا ـ إلى صورة حيّة للإنسان القاسي الموجود في كل زمان ومكان. أمّا سبيلنا إلى استحضار هذه الصورة في وعي الناس ، فهو التركيز على طبيعة السلوك الإسرائيلي في المرحلة التي تحدث عنها القرآن ، ودراسة الخصائص الذاتية والعملية في شخصية أولئك الناس ، ثم البدء في عملية مقارنة مع النماذج المعاصرة المشابهة لها في طبيعتها وخصائصها وتصرفاتها ، لتتعمق الصورة القرآنية من خلال الخطوط العامة ، لا من خلال الحالة الخاصة ، لئلا نقع في ما يقع فيه الكثيرون ممن يلعنون التاريخ في نماذجه الشريرة ، ثم يباركون النماذج نفسها التي تأخذ في الحاضر صورة أشخاص ذلك التاريخ ، انطلاقا من الاستغراق في الشخص بعيدا عن العوامل الذاتية التي تثير فينا الشعور معه أو ضدّه ...
إنها قصة الوعي القرآني المتحرك الذي يجعل الآية تتحرك في مدى الزمن في صورها الحيّة ، وتطلعاتها الواسعة ، وخطواتها التي تطبع الخير والرحمة والبركة في كل مكان وزمان ...
* * *