يخوّفونك بالّذين من دون (قُلْ) ردّا عليهم في تخويفهم (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) والحال ان لا ضرّ الّا منه ولا رحمة الّا باذنه فكيف تخوفوننى بها والخوف لا يكون الّا بالإضرار أو منع النّفع وفي إيراد الضّمائر مؤنّثات توهين لآلهتهم سواء أريد بها الأصنام والكواكب وأمثالها أو المترأسين في الدّين مقابل الرّؤساء الحقّة (قُلْ) لهم بنحو التّجرى ولا تخف (حَسْبِيَ اللهُ) ولا حاجة لي الى غيره فلتفعل الهتكم بى ما قدروا (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) يعنى ينبغي ان يتوكّل عليه المتوكّلون لانّه لا فاعل في الوجود بإقرار الكلّ الّا هو (قُلْ) لهم تهديدا لهم مقابل تهديدهم لك (يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) اى على منزلتكم أو على مقدرتكم سواء جعل من كان أو من مكن (إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) قد مضى الآية بعينها في أوائل سورة هود (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) جملة مستأنفة في مقام التّعليل للأمر بالقول يعنى انّا أنزلنا عليك الكتاب (لِلنَّاسِ بِالْحَقِ) لأجل تهديدهم وترغيبهم فما لك لا تقول لهم فقل لهم ما أنزلنا إليك ولا تبال سمعوا أو لم يسمعوا (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) حتّى تراقب عدم ضلالهم وتحزن لضلالهم (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) كلام منقطع عن سابقه وقد مضى في سورة النّساء وجه الجمع بين توفّى الله وتوفّى ملائكته ورسله وتوفّى ملك الموت (حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ) عطف على الأنفس من قبيل عطف العامّ على الخاصّ وقوله (فِي مَنامِها) متعلّق بلم تمت يعنى انّ للإنسان نفسا حيوانيّة ونفسا عقلانيّة والله يتوفّى جميع الأنفس حين الموت ويتوفّى أيضا حين الموت الأنفس الحيوانيّة الّتى لم تكن تخرج من الأبدان حين النّوم فانّ الّتى تخرج حين النّوم هي الأنفس العقلانيّة ويشبه ان لا يكون الله يقبضها حين الموت لتسفّلها وعدم الاعتناء بها بل تكون تفنى أو تقبضها الملائكة ، أو في منامها متعلّق بيتوفّى الأنفس والمعنى انّ الله يتوفّى الأنفس ، ويتوفّى بان يقبضها حين نومها ومعنى قوله تعالى (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) على الوجه الاوّل انّه يمسك الأنفس الّتى قضى عليها الموت من الأنفس المتوفّاة ويرسل الاخرى الّتى لم يتوفّاها بالموت يعنى يبقيها في أبدانها الى أجلها ، أو يمسك الأنفس العقلانيّة الّتى يتوفّاها بالنّوم ويرسل الأنفس الحيوانيّة الّتى لم يتوفّاها يعنى يبقيها في أبدانها والمعنى على المعنى الثّانى انّه يمسك الأنفس الّتى يتوفّاها بالموت ويرسل الاخرى الّتى توفّيها بالنّوم بان يرسلها بعد توفّيها الى أبدانها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) موقّت معلوم (إِنَّ فِي ذلِكَ) التّوفّى والإرسال حين الموت والنّوم (لَآياتٍ) عديدة على مبدئيّته وعلمه وقدرته وكمال حكمته ، وبقاء عالم آخر غير هذا العالم وعود الأنفس الى ذلك العالم ، وكون الإنسان ذا مراتب وانّ بعض مراتبه حكمها حكم الطّبع ، وبعض مراتبه حكمها حكم العقل المجرّد وانّه يمكن ان يشاهد ما في العالم الباقي كما انّه يشاهد ما في هذا العالم وغير ذلك (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) باستعمال المفكّرة باستخدام العقل في استنباط المعاني الدّقيقة والنّتائج الخفيّة من المقدّمات الجليّة وغيرهم وان كانوا ذوي شعور وعلم وذوي عقول والباب وذوي تذكّر وتنبّه لا ينتقلون الى آياته من مشهوداته (أَمِ اتَّخَذُوا) أم منقطعة متضمّنة للاستفهام أو مجرّدة عنه ، أو متّصلة محذوف معادلها والتّقدير اتّخذوا من دون الله آلهة يعبدونها أم اتّخذوا (مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ) لهم أتتّخذونهم آلهة أو شفعاء (أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً) ممّا يملك