آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) يعنى لا تذرنّ هؤلاء مخصوصا ، قيل : كان هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح (ع) فنشأ قوم بعدهم يأخذون أخذهم في العبادة فقال لهم إبليس : لو صوّرتم صورهم كان انشط لكم وأشوق الى العبادة ، ففعلوا فنشأ بعدهم قوم فقال لهم إبليس : انّ الّذين كانوا قبلكم كانوا يعبدونهم ، فعبدوهم ، فصار عبادة الأوثان سيرة من ذلك الزّمان ، وقيل : كان نوح (ع) يحرس جسد آدم (ع) على جبل بالهند ويحول بينه وبين الكفّار لئلّا يطوفوا بقبره فقال لهم إبليس : انّ هؤلاء يفخرون عليكم ويزعمون انّهم بنو آدم دونكم وانّما هو جسد وانا اصوّر لكم مثله تطوفون به فنحت خمسة أصنام وحملهم على عبادتها وهي ودّ وسواع ويعوق ويغوث ونسر ، فلمّا كان ايّام الطّوفان دفن تلك الأصنام وطمّها التّراب فأخرجها الشّيطان لمشركي العرب ، وقيل : صارت أوثان قوم نوح (ع) الى العرب فكانت ودّ لقضاعة ، ويغوث لبطنان من طىّ ، ويعوق صار الى همدان ، ونسر لخثعم ، وسواع لآل ذي الكلاع ، واللّات لثقيف ، والعزّى لسليم ، ومناة لقديد ، وإساف ونائلة وهبل لأهل مكّة ، وقيل : كان ودّ على صورة الرّجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة النّسر (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) اى اضلّ عابدوا تلك الآلهة كثيرا من النّاس ، أو اضلّ هؤلاء الآلهة كثيرا بما ظهر من الشّيطان على هياكلها (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) لمّا كان دعاء الأنبياء (ع) على وفق الواقع والتّكوين وقد شاهد نوح (ع) من قومه انّهم في ازدياد الضّلال والبعد عن طريق الإنسان ورأى انّهم قطعوا الانسانيّة والفطرة ويئس من صلاحهم وخيرهم دعا بذلك ، أو لمّا بالغوا في العتوّ والنّفار واخذه البغض في الله واشتدّ غضبه لله دعا بذلك (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) اى من أجل خطاياهم وذنوبهم (أُغْرِقُوا) بالطّوفان (فَأُدْخِلُوا ناراً) بسبب الإغراق فانّهم ماتوا وخرجت أنفسهم بالموت الى النّار (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) يدفعون عنهم العذاب (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) وهذا دليل على انّه علم انّهم قطعوا الفطرة بحيث لا يبقى فيهم استعداد تولّد المؤمن منهم ، روى عن الباقر (ع) انّه سئل : ما كان علم نوح (ع) حين دعا على قومه انّهم لا يلدون الّا فاجرا كفّارا؟ ـ فقال : اما سمعت قول الله تعالى لنوح (ع): (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (رَبِّ اغْفِرْ لِي) بعد ما دعا على قومه لشدّة غضبه لله تضرّع على الله واستغفر من غضبه لله فانّ الحبّ في الله اولى من البغض في الله (وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً)عن الصّادق (ع) يعنى الولاية ، من دخل في الولاية دخل في بيت الأنبياء (ع) (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) اى المسلمين والمسلمات الّذين قبلوا الدّعوة العامّة ولم يقبلوا الدّعوة الخاصّة ، أو المراد بهم المؤمنون والمؤمنات بالولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة لكنّ المراد بمن دخل بيته من باع البيعة الخاصّة على يده ، وبالمؤمنين والمؤمنات من باع البيعة الخاصّة على يده وعلى أيدي غيره من الأنبياء والأولياء (ع) (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) بعد دعائه للمؤمنين كرّر دعاءه على الظّالمين لجمعه بين الحبّ في الله والبغض فيه ، وهذا هو الكمال التّامّ للإنسان حيث لا يذهب بغضه في الله حبّه في الله ، ولا حبّه في الله بغضه في الله كما أشار تعالى الى هذا الكمال بقوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، قيل : دعا نوح (ع) دعوتين ، دعوة على الكفّار ودعوة للمؤمنين ، فاستجاب الله دعوته على الكافرين فأهلك من كان منهم على وجه الأرض ، ونرجو ان يستجيب أيضا دعوته للمؤمنين فيغفر لهم.