سورة الجنّ
مكّيّة ثمان وعشرون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ) لأهل مكّة (أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) قد سبق في سورة الأحقاف نزول الآية وقصّة الجنّ (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) الجدّ بمعنى البخت ، وروى عن الباقر (ع): انّما هو شيء قالته الجنّ بجهالة فحكى الله عنهم ، أو هو مستعار للعظمة ، وقرئ انّه بكسر الهمزة على انّه محكىّ بقول الجنّ ، وقرئ بفتحها على انّه معطوف على الضّمير المجرور في قوله : فآمنّا به ، أو على انّه معطوف على انّه استمع ، وهكذا الحال في اختلاف القراءة وفي العطف فيما بعد الّا انّ بعض الفقرات لا يمكن ان يكون معطوفا على انّه استمع (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) كما يقول بعض الانس (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) اى من كان منحرفا منّا عن الدّين (عَلَى اللهِ شَطَطاً) قولا بعيدا عن الحقّ مجاوزا عن الحدّ ، أو هو بمعنى الظّلم ، والمراد بالسّفيه الشّيطان ، أو مطلق المنحرفين عن الحقّ (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) يعنى ان كنّا نتّبع السّفيه فذلك كان من ذلك الظّنّ يعنى كان تصديقنا واتّباعنا لمن قال لله تعالى بالشّريك والصّاحبة والولد لذلك حتّى سمعنا القرآن وايقنّا انّهم يقولون كذبا (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) من في من الجنّ تبعيضيّة ، أو تعليليّة ، روى عن الباقر (ع) في هذه الآية : انّه كان الرّجل ينطلق الى الكاهن الّذى يوحى اليه الشّيطان فيقول : قل لشيطانك : فلان قد عاذ بك ، وقيل : كان الرّجل من العرب إذا نزل واديا في سفره ليلا قال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه ، وقيل : كان رجال من الانس يعوذون برجال من الانس من أجل شرّ الجنّ (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) الرّهق محرّكة السّفه والخفّة وركوب الشّرّ والظّلم ، وغشيان المحارم ، وحمل الإنسان على ما لا يطيقه ، والكذب ، والعجلة ، وضمير فاعل زادوهم للرّجال من الانس ، أو للرّجال من الجنّ ، والمفعول بعكس ذلك ، أو هو للرّجال العائذين أو للمعوّذ بهم أو للجنّ ، والمفعول أيضا يحتمل الكلّ (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) هذا من قول مؤمني الجنّ لكفّارهم يعنى انّ هؤلاء الرّجال العائذين لضعف حالهم وسوء عقيدتهم عاذوا بالجنّ أو بالاناسىّ ، فانّهم ظنّوا كما ظننتم ايّها الجنّ ان لن يبعث الله أحدا رسولا الى بنى آدم ، أو لن يبعث الله أحدا في القيامة أو هو معترض من الله والمعنى انّهم اى الجنّ ظنّوا كما ظننتم ايّها الانس ان لن يبعث الله أحدا (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) اى قربناها ، أو صعدنا إليها ، أو طلبنا الصّعود إليها (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) الحرس جمع الحارس وتذكير الشّديد لإجراء الفعيل بمعنى الفاعل مجرى الفعيل بمعنى المفعول في استواء التّذكير والتّأنيث فيه اى حفظة أقوياء لا يمكن الاستراق معهم (وَشُهُباً) جمع الشّهاب (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) يترصّده