فيسخرون منها ويستعجلون بها (وَالَّذِينَ آمَنُوا) اى أذعنوا بها والّذين أسلموا بالبيعة العامّة أو آمنوا بالبيعة الخاصّة (مُشْفِقُونَ مِنْها) خائفون منها لعلمهم بالحساب على الجليل والقليل فيها (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) الثّابت (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ) سواء أريد بالسّاعة ساعة ظهور القائم أو ساعة القيامة أو ساعة الرّجعة أو ساعة الموت (لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) قيل : كانوا يقولون لرسول الله (ص) : أقم لنا السّاعة وائتنا بما تعدنا ان كنت من الصّادقين فردّ الله عليهم (اللهُ لَطِيفٌ) اى برّ (بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) العلم والفهم والايمان ويؤخّر عنهم السّاعة لعلّهم يتوبون ويتذكّرون فيعترفون (وَهُوَ الْقَوِيُ) الّذى بقدر على ما يشاء (الْعَزِيزُ) الّذى لا يمنعه مانع من فعله فتأخير مؤاخذتهم ليس لعجز ولا لمانع منه عن ذلك بل للطفه بهم (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فليس لمن سعى للآخرة أو للدّنيا شيء من سعيه؟ ـ فقال تعالى : من كان يريد بسعيه حرث الآخرة (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أعطيناه بقدر سعيه وزدناه على سعيه (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) بقدر حرثه أو اقلّ منه فانّه لا يفيد في مقابل نزد له في حرثه أزيد من ذلك (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) لانّه ما زرع للآخرة ، عن الصّادق (ع): المال والبنون حرث الدّنيا ، والعمل الصّالح حرث الآخرة ، وقد يجمعها الله لا قوام ، وعنه (ع): من أراد الحديث لمنفعة الدّنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب ، ومن أراد خير الآخرة أعطاه الله خير الدّنيا والآخرة ، والاخبار في انّ من كان همّته الدّنيا بأعماله وأقواله فرّق الله عليه امره ، وشتّت باله وجعل الفقر بين عينيه ، ولم يأته من الدّنيا الّا ما كتب له ، ومن كانت همّته الآخرة جمع الله شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدّنيا وهي راغمة كثيرة ، وقيل للصّادق (ع): الله لطيف بعباده يرزق من يشاء؟ ـ قال : ولاية أمير المؤمنين (ع) ، قيل (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ؟) ـ قال : معرفة أمير المؤمنين (ع) والائمّة (ع) ، قيل نزد له في حرثه؟ ـ قال : نزيد ه منها يستوفي نصيبه من دولتهم و (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ، قال ليس له في دولة الحقّ مع الامام (ع) نصيب (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) لله يأمرونهم بخلاف ما يأمرهم الله (شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) ممّا جعلوه ملّة من البحيرة والسّائبة وغير ذلك (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) كلمة الفصل هي اللّطيفة الانسانيّة الفاصلة للإنسان من سائر الحيوان وهي الولاية التّكوينيّة وهي ما به عناية الحقّ للإنسان وتكريمه له ويمهل الله الإنسان حتّى تظهر تلك اللّطيفة وتستكمل أو تذهب من الإنسان ويلتحق الإنسان بالانعام بل يصير اضلّ منها وإذا خرجت من الإنسان وانقطعت منه يصير الإنسان مرتدّا فطريّا غير مقبول التّوبة وواجب القتل بحسب احكام الشّرع ، وما ورد عن الباقر (ع) في تفسير الآية من قوله : لو لا ما تقدّم فيهم من الله عزّ ذكره ما أبقى القائم منهم أحدا ، ولعلّ المراد بالقائم هو خليفة الله القائم بأمره للعباد ، يؤيّد ما ذكرنا في تفسيره كلمة الفصل (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) جملة حاليّة والمعنى انّ الظّالمين لآل محمّد (ص) في وجودهم وهم اللّطيفة المذكورة وكلّ من تولّد منها سواء كانوا ظالمين لآل محمّد (ص) في الخارج أو لم يكونوا لهم عذاب اليم في الدّنيا والحال الحاضر لكن لخدارة أعضائهم لا يشعرون به ، أو في الآخرة لكن لعدم تيقّنهم بالعذاب في الآخرة ظلموهم (تَرَى) في الحال أو سوف ترى في الآخرة والخطاب خاصّ بمحمّد (ص) أو عامّ (الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا كَسَبُوا) من جزاء ما كسبوا من الأعمال أو من نفس ما كسبوا بناء على تجسّم الأعمال في الدّنيا كما هو حال بعض المذنبين أو في الآخرة كما هو حال الجميع (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) في الدّنيا