لدفعه (قُلْ) للمشركين بالله وللمشركين بالولاية (أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام والكواكب والأهواء والشّياطين والملائكة أو ما تدعون من دون خلفاء الله أو من دون اذن الله من رؤساء الضّلالة (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) اى في خلق السّماوات يعنى لا شركة لهم في خلق شيء من أجزاء الأرض ولا في شيء من أجزاء السّماوات حتّى يستحقّوا به العبادة (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) بدل من أرونى نحو بدل الاشتمال اى أرونى ماذا خلقوا أرونى كتابا فيه ثبت شركتهم في خلق الأرض هو على سبيل التّنزّل ان لم يكن لكم دليل عقلىّ فأتونى بدليل نقلىّ من كتاب سماوىّ أو غير سماوىّ يمكن تقليده (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) الأثارة نقل الحديث وروايته يعنى ائتوني بكتاب يمكن الاعتماد عليه فيه جواز اشراك الشّركاء ، أو ائتوني بحديث منقول ناش من علم وفسّر ببقيّة من علم من السّابقين يجوز الاعتماد عليه والتّقليد له (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعنى انّ مثل هذا لا يجوز القول به ولا الاعتقاد به الّا إذا كان دليل عقلىّ يدلّ على صحّته وصحّة القول به ، وان لم يكن لكم دليل عقلىّ فلا اقلّ من ان يكون لكم دليل نقلىّ يجوز التّعويل عليه والتّقليد له من كتاب أو نقل ، وسئل الباقر (ع) عن هذه الآية فقال : عنى بالكتاب التّوراة والإنجيل ، وامّا أثارة من العلم فانّما عنى بذلك علم أوصياء الأنبياء (ع) وبعد ما أظهر عجزهم عن الإتيان بدليل عقلىّ أو نقلىّ أتى بالدّليل العقلىّ والنّقلىّ على بطلان قولهم فقال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) لو سمع دعاءهم فضلا عن مراعاة مصالحهم والاطّلاع على سرائرهم (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يعنى انّهم ما داموا في الدّنيا لا يسمعون دعاءهم ولو سمعو ما استجابوا ، ولو أجابوا ما قدروا على إصلاحهم ولكنّهم في يوم القيامة يسمعون نداءهم ويجيبون لهم بإنكار عبادتهم (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) فضلا عن سماعه واجابتهم ، وهذا دليل عقلىّ يدلّ على عدم جواز دعوتهم (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) وهذا دليل نقلىّ منقول من الأنبياء والأوصياء (ع) مثبت في الكتب السّماويّة وفي غيرها (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات الدّلالات أو موضحات (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) اى قالوا للآيات بعد ما ظهر حقّيّتها ولذلك وضع الظّاهر موضع المضمر (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ظاهر السّحريّة والبطلان (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ولمّا كان السّحر له شأن ووقع في القلوب اضرب عن هذا القول وقال : بل يقولون افتراه (قُلْ) في جوابهم (إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) يعنى ان افتريته فلا تدفعوا عنّى شيئا من عذاب الله ولا تتحمّلوا شيئا من أوزاري لانّكم لا تملكون لي من الله شيئا من عذابه حتّى تدفعوه عنّى ، أو ان افتريته لم أكن بعاقل وأكن سفيها ، لانّ الافتراء لا يكون الّا تعرّضا لسخط الله ، وان أتعرّض لسخط الله لان أكون مقبولا عندكم كنت سفيها ، لانّ المقبوليّة عندكم لا تنفعني لانّكم لا تملكون لي من الله شيئا من رفع عذابه ، وبعد ابطال الافتراء هدّدهم بهذا الافتراء وقال (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ) اى تندفعون (فِيهِ) من القول بانّ القرآن سحر أو افتراء (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) تهديد آخر لهم (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) جمع بين التّهديد والارجاء كما هو شأن النّاصح الكامل (قُلْ) لهم لم تستغربون رسالتي وقد كنت مثل سائر الرّسل و (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) اى من بينهم أو حالكوني بعضا منهم وقد كان الرّسل بشرا مثلي وكانوا يأكلون ويشربون