ما يدل على طلب الرسالة لهارون ، وان الموارد الاخر من القرآن لتشهد بأنه طلب الرسالة لهارون معه ليكون ذلك أنجح لحصول الغرض ، فقد حكى الله عنه في سورة القصص قوله ٣٤ : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ٣٥ قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) وفي سورة طه ٣٠ (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ٣١ هارُونَ أَخِي ٣٢ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ٣٣ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) ـ ٣٦ (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى). بل يدل في خصوص المورد ما تقدم من قوله تعالى : «كلا» أي لا تخف من القتل ولا يصلون أليك بسوء فاذهبا بآياتنا فإن قوله تعالى : (فَاذْهَبا بِآياتِنا) دال بواسطة الفاء التفريعية على أن الأمر بذهابهما معا إجابة لمطلوب موسى وإيتاء لسؤله بقوله : «فارسل إلى هارون» وكاشف عن أن المطلوب لموسى هو إرسال هارون معه لا الاستبدال به.
ولئن تنزلنا قلنا لذي المعرفة : أفلا يكون ما ذكرنا في دلالة الآيات احتمالا يمنع المتكلف عن جزمه في دعواه ولكنه قد امتلأ سمعه وقلبه من صراحة التوراة الرائجة في نقلها استعفاء موسى من الرسالة بلسان غير لين ولا موافق للأدب فصار يحمل ذلك على عاتق القرآن وحاشا وكلا. ففي رابع الخروج (١٠) فقال موسى للرب : استمع أيها السيد لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول أمس ولا من حين كلمت عبدك ، بل أنا ثقيل الفم واللسان (١١) فقال له الرب : من صنع للإنسان فما أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرا أو أعمى؟ أما هو أنا الرب (١٢) فالآن اذهب وأنا اكون مع فمك واعلمك ما تتكلم به (١٣) فقال استمع أيها السيد ارسل بيد من ترسل (١٤) فحمى غضب الرب على موسى وقال : أليس هارون اللاوي أخاك أنا أعلم انه هو يتكلم الى آخره.
وانك لترى ان سوق الكلام القول المنسوب الى موسى أخيرا : «استمع أيها السيد أرسل بيد من ترسل» يعطي ما معناه اني لا أعتمد على هذا الوعد ولا أصغي الى هذه الحجة ، بل اختر لرسالتك رسولا غيري. وحق أن يحمي غضب الله لذلك اللهم اني أعوذ بك أن انسب مثل هذا لقدس رسولك