شريعتهم ، وتمسكا بعروة العقل الوثقى ان الله جل شأنه عادل قدوس عزيز ذو انتقام وغفور رحيم غني حميد ، فإن انتقم من ذات الخاطئ المجرم وعاقبه بجرمه فهو عادل لأجل استحقاق المجرم للعقاب ، وان غفر له وسامحه فذلك من رحمته وفضله وغناه من عقابه ، فمعاملة المجرم بالعدل وحده إنما هي العقاب فالعدل هو المخوف الذي ترتعد منه فرايص المجرمين ، وإنما يرجى الخلاص بالرحمة من الله الغني ، وهذا من أوضح البديهيات.
وما كنت أحسب ذا شعور يقول : ان المجرم ينبغي ان يرجو خلاصه من عدل الله ، وإذا رجاه من رحمته يكون قد جعل رحمته أعظم من عدله فتتفاوت صفاته جل شأنه.
ولما ذا لا يقول المتكلف إذا رجونا الخلاص من عدل الله يكون عدله أعظم من رحمته فتتفاوت صفاته؟ ولما ذا لم يفهم المتكلف ان ما ذكره من تنازل عدل الله وجريه على خلاف مقتضاه لما أظهر الله رحمته ومحبته بتجسد الكلمة هو الذي يستلزم أن تكون رحمة الله أعظم من عدله ، ليس هذا فقط ، بل يرجع الى أن محبته ورحمته قد غالطت عدله ، وخادعته وقهرته حتى جرى على خلاف مقتضاه ، وتنازل إلى مقتضاها تعالى الله عن ذلك وتقدس.
معارف القرآن والمتكلف
ولكن المتكلف يقول «يه ٢ ج ص ٢٩٩» ان القرآن اتخذ من الكتاب المقدس بعض صفات الله وكمالاته إلا انه لا يعرفها حق المعرفة كما هي مدونة في مصدرها الأصلي فلا يعرف عدل الله الذي اقتضى تجسد الكلمة الأزلية واحتمال الصلب للتكفير عن خطايا كل من يؤمن به فإن القرآن يتوهم ان رحمة الله أوسع من عدله كأنه يوجد تفاوت بين صفاته جل شأنه.
قلنا : ان كنت قد نزهت ذهنك عن وصمة العصبية والتقليد ، كما هو الأمل الوطيد بالمعاصرين المتنورين ، فقد اوضحنا لك لزوم الشطط في بناء الخلاص على العدل خصوصا إذا كان بنحو تجسد الكلمة والفداء باحتمال القصاص على النحو الذي يكرره المتكلف مما يتهافت من جميع اطرافه على نسبة