لاحتمال صدقها في الواقع ولخوف الضلال بجحود الرسالة الحقة والعقاب الشديد عليه وحرمانه بركة الإيمان بها ومنافع تعاليمها وإصلاحها وتكميلها وسعادة تقريبها الى الله والفوز العظيم ، وان بقي مترددا فيها متوقفا في شأنها من دون نظر وتثبت في أمرها كان أيضا مخاطرا لاحتمال صدقها في الواقع ولخوف العقاب على عدم الايمان بها وحرمانه وخسرانه ما ذكرنا من منافعها العظيمة.
فلا رافع لهذه المخاطرات ولا مؤمن من مخاوفها العظيمة إلا اتباع هدى العقل والاستضاءة بنوره في الجد والاجتهاد بالبحث والنظر في أمرها بشرط مراقبة النفس في معاثر الميل مع الهوى ، والرغبة في الدين المألوف وغوايات العصبية وعمايات التقليد مع حسن التجرد في الجهاد ، والتحذر عن هذه المعاثر ، فيجب على المدعو حينئذ بحكم العقل وطريقة العقلاء اعمال النظر في أمر ما دعي إليه بالنحو الذي ذكرناه ليتخلص من هذه المخاطرات ويرفع الضرر عن نفسه التي هي أعز الأنفس وأكرمها عليه ، فضلا عن جلب النفع لها ، فانه ان تثبت بهذا النحو من النظر الصادق كان فائزا بالسعادة ان أصاب ومعذورا بحكم الشرع والعقل ان أخطأ وآمنا من العقاب بحكم العقل والشرع فانه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
فصل فيما يتعلق بكيفية النظر
لا يخفى انه لا يجتمع في الواقع ونفس الأمر شاهد الرسالة مع المانع منها ، فإذا اجتمعا في الظاهر تبين كذب الكاشف عن أحدهما أو عنهما كليهما ، وان الكاشف عنهما اما أن يكون هو الحس فيهما معا ، واما ان يكون هو النقل فيهما معا. وأما أن يكون هو النقل في احدهما والحس في الآخر.
وان الذي يهم عموم الناس بعد رحلة خاتم المرسلين الى سعادة الآخرة إنما هو الكاشف النقلي في شأن الأنبياء الذين تنسب إليهم الدعوة الى دينهم وشرائعهم الواردة في إصلاح البشر في أمر دنياهم وآخرتهم ، فلا بد وان يكون الكاشف النقلي هو النقل المتواتر المفيد للعلم ، فإن غيره مما لا يفيد العلم لا حظ له في المداخلة والحكومة في اصول الدين المبنية على الاعتقاد واليقين.
«النقل المتواتر» المفيد لليقين هو اخبار جماعة يذعن العقل المبرئ عن