والمنسوخ كما توهمه المتكلف ، بل لا يخفى ان مراده هو ان «اشعيا» أخبر «حزقيا» بأن الله أوجب عليه الوصية إلى أهل بيته معجلة لأنه يموت ولا يعيش ، ولا بد أن يرتفع هذا الحكم الذي كان معجلا لأجل ضيق الوقت بسبب الزيادة في عمر «حزقيا» خمس عشرة سنة.
فلما ذا لا يقول المتكلف في هذه الأمثلة الأربعة ان ملك الملوك ورب الأرباب لا يعقل ويتصور أن يقضي قضاء أبديا او يقدر أمرا الى الأبد او يخبر بوقوع شيء ويقرن كل ذلك بحكم شرعي ويكون كل هذا قابلا للنقض والخلف والتبديل بعد مدة او ساعة او يوم ، أفليست أعمال الله هاهنا منزهة منذ الأزل عن التناقض والتشويش ، ومعلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله «اع ١٥ : ١٨» أفهاهنا ينبغي ان يقال ما قاله المتكلف ، أم في النسخ الذي تنادي في بيان حقيقته ألسنة المسلمين وأقلامهم ، وتبين بصراحتها لكل ذي فهم وكل مستقيم بأنه على نحو معقول لا تلزم فيه هذه المحاذير ، ويوضحون بأنواع الإيضاح ان مبناهم فيه وحقيقته هو ان الله يعلم منذ الأزل بما يناسب من الأحكام لمصالح العباد المختلفة بحسب الأزمان والأحوال فجعل في مخزون علمه لكل مصلحة ما يناسبها في اللطف والحكمة من الأحكام المحدودة بحدها ثم إظهار الله احكامه لعباده بواسطة أنبيائه غير محدودة بحدودها المعلومة عنده لحكمة اقتضت ذلك ، فإذا انقضى حدها المخزون في علمه أشعر عباده أيضا بالحكم المناسب للمصلحة المتجددة على ما كان مكنونا في علمه جلت آلاؤه ولا يجوزون النسخ فيما لو قال الله ان هذا الحكم دائم أبدا ، وكذا لو قال : ان هذا الحكم ثابت في حق العباد الى سنة مثلا فإنهم لا يجوزون نسخه قبل السنة لحصول التناقض والتشويش بين الأجل وابطاله بالنسخ قبل انتهائه.
أترى المتكلف لا يعلم بهذا كله من مذهب المسلمين؟ أو انه يعلم ولكنه ما ذا يصنع في أمر انعقدت عليه المجامع ، وكلف نفسه مئونة تمويهه اغماضا عن العاقبة.
ثم انه قد ضجر من كثرة تعداد الأمثلة في اظهار الحق لما في العهدين من النسخ فشذ به الضجر الى تعداد الاضداد المتقابلة «انظر يه ٤ ج ص ١٩٢