أقول : قد قدمنا لك في الباب الأول من هذه المقدمة ما يدل بأوضح دلالة على أن مثل هذه المخادعة والتزوير والكذب المتكرر على الأب النبي العاجز الكال البصر مناقضة لورود النبوة على يعقوب خصوصا مع دلالة هذا العمل المذكور عنه على ضعف الإيمان والمعرفة بالله بسبب البناء على أن بركات الله التي هي من مفاتيح النبوة وسلسلة عهده مع ابراهيم تستلب من الله ونبيه اسحاق بمثل هذه المخادعات والتزويرات القبيحة ، فلا بد من القول بكون هذه الحكاية ليست من الوحي ولا صادقة مضافا إلى سخافتها في نفسها ومنافاتها لجلال الله الحكيم الغني علام الغيوب لأنه إن فرضت هذه البركة وما يتبعها من الشئون العظيمة مقدرة من الله ليعقوب ، كما عن وحي ملاخي عن قول الله أحببت يعقوب وأبغضت عيسو «مل ، ١ : ٢ و ٣» ، وكما عن الوحي لامهما من قول الرب لها وهي حبلى بهما ، ان الكبير يكون عبدا للصغير «تك ٢٥ : ٢٣ ورو ٩ : ١١ و ١٢».
سألنا أهل العقول السليمة انه هل يصح في حكمة علام الغيوب أن يقدر هذه البركة التي هي زمام النبوة أو نفسها لمن تنسب له هذه المخادعات والتزويرات والأكاذيب الناشئة عن ضعف الإيمان والمعرفة بالله أو عدمهما كما ذكرنا ، مع أن اللسان الكاذب مكرهة للرب «١ م ٦ : ١٦ و ١٧» وكراهة الرب شفتا كذب «أم ١٢ : ٢٢» ، ، وكيف يجتمع هذا مع كون الله أحب يعقوب؟
وأيضا في التاسع عشر من الأمثال (٥) المتكلم بالأكاذيب لا ينجو (٩) المتكلم بالأكاذيب يهلك.
قل فكيف قدرت له هذه البركة العظيمة «انظر تك ٢٧ : ٢٧ ـ ٣٠».
هذا وان فرض أن أمر هذه البركة موكول الى جعل إسحاق وانها تكون حيثما يجعلها سواء كان مخدوعا أو مختارا.
سألنا أيضا أهل العقول السليمة كيف يوكل الله العليم الحكيم أمر هذه البركة مع عظيم شأنها إلى جعل اسحاق ، مع ان اسحاق أراد وعزم وجزم على