قال في الاتقان في المسألة الثانية من النوع السابع والأربعين في النسخ ما لفظه «النسخ مما خص الله به هذه الامة لحكم منها التيسير» ، ولا تحسب ان السيوطي يدعي انه لم يقع النسخ في الشرائع مطلقا حتى نسخ البعض من احكام الشريعة السابقة بالشريعة اللاحقة ، كيف وان القرآن الكريم صريح بأن المسيح يحل لبني اسرائيل بعض الذي حرم عليهم كما تقدم ، بل غاية دعوى السيوطي ان نسخ الشريعة الواحدة لبعض احكامها مما خص الله به هذه الامة في شريعتها ، وغاية ما يعترض به على السيوطي في هذه الدعوى هو انها دعوى لأمر غائب لا يكتفي فيها بالظنون ، بل تحتاج الى حجة قاطعة صادرة عن علام الغيوب.
نعم : لا يلزمه ما يلزم المتكلف من وقوع التناسخ في الشرائع السابقة بمقتضى العهدين كما ذكرناه ، وذلك لجواز ان يقول السيوطي لا حجة علي بالعهدين لعدم صحة سندهما الى الالهام ، ولكن أين يفر المتكلف عن لزوم ما في العهدين ، كما ذكرنا أمثلته.
وأما قول المتكلف : فمن تحري القرآن وتفاسيره رأى ان الناسخ والمنسوخ فاش فيه.
فلو أراد فيه الأمانة والتحقيق وترك التمويه والتلبيس لكان عليه ان يبين ما في القرآن من الناسخ والمنسوخ بالبيان الكافي المنطبق على معنى النسخ في الجامعة الاسلامية ، ثم يقول ما عنده.
وأما التشبث بأقوال المفسرين فتشبث سخيف ، لأن الحقائق غير مربوطة بأقوالهم ، وان كثيرا من أقوالهم هاهنا ناشئ عن آراء ضعيفة وأوهام مردودة ، فقد ذكرنا من تفسير الخازن عن قول العلماء انهم قرنوا المفسرين «باعتبار الكثير منهم» وساووهم بالمؤرخين حيث وصفوهم جميعا بأنهم مولعون بكل غريب ملفقون من الصحف كل صحيح وسقيم.
ولنقتصر فيما يهمنا في المقام على ما اشار إليه في الاتقان ، وان كان قليلا من كثير ، فقد نقل عن ابن «الحصار» قوله ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين ، بل ولا اجتهاد المجتهدين.