فكيف أمر الله موسى وشيوخ بني اسرائيل بمقتضى نقل التوراة الرائجة أن يكذبوا على فرعون ، ويقولون له : ان إله العبرانيين التقانا فالآن نذهب سفر ثلاثة أيام في البرية لو نذبح للرب إلهنا «خر ٣ : ١٨» فعمل موسى بهذا الأمر وزاد على قول الله بقوله لئلا يصيبنا بالوباء أو بالسيف «خر ٥ : ٣» وبقوله : لأن لنا عيدا للرب «خر ١٠ : ٩» ، مع أن الغرض الحقيقي والموعد بين الله وموسى غير هذا بل هو ذهاب بني اسرائيل إلى أرض الموعد أرض الكنعانيين وما والاها وخلاصهم من عبودية المصريين «انظر إلى ثالث الخروج أقلا ٨ و ١٧».
وكأني بالمتكلف وغيره يقول : ان الغرض من سفر الثلاثة أيام ليس على ما هو المعروف من هذا التركيب ، بل المراد منه السفر الذي تقطع مسافته بالسير المتوالي الدائم في اثنين وسبعين ساعة مثلا وهو صادق على السفر إلى أرض الموعد فإن أقرب أرض الكنعانيين إلى رعمسيس منزل بني اسرائيل في مصر لا يزيد مسافته عنها على الستين فرسخا ، أي مائة وثمانون ميلا اعتياديا بكثير.
«قلت» : لئن سامحناهم في صدق ذلك وجاز من الله وموسى أن يريدا هذا الغرض المعمى من هذه العبارة البعيدة عنه جدا في المحاورات لأجل التعمية على فرعون وان فهم من الكلام ما هو المتعارف منه مما يخالف المراد فلما ذا لا يجوز لإسحاق أن يعمى مراده بقوله عن امرأته انها اخته ويريد انها اخته من حيث القبيلة والاتصال بالنسب كما سمى الادومي أخا للإسرائيلي باعتبار اجتماعهما في النسب بعيسو ويعقوب في إسحاق «تث ٢٣ : ٧».
دع هذا وقل : كيف جاز للمسيح أن يقول لاخوته حيث لم يكونوا يؤمنون به اصعدوا أنتم إلى هذا العيد ، أنا لست اصعد بعد الى هذا العيد لأن وقتي لم يكمل بعد ثم صعد الى ذلك العيد بالخفاء «يو ٧ : ١ ـ ١١».
وأما قول طريق الأولياء : لا يوجد كمال في واحد من بني آدم غير الواحد العديم النظير.
فأقول فيه : ويا أسفا ويا ليت كتبكم المنسوبة إلى الإلهام تركت قدس هذا الواحد عن التلويث ، كما سنذكر بعضه في الفصل الخامس عشر في عصمة