«المقدمة الثانية عشرة»
في النسخ في الشريعة الإلهية وفيها فصول
الفصل الأول في ماهيته وحقيقة المراد منه في الاصطلاح
النسخ في الاصطلاح هو رفع الله للحكم الشرعي بتشريع حكم آخر مخالف له ، وحقيقته هو ان الله اللطيف بعباده العليم بأحوالهم ومصالحهم في جميع الأزمنة وتقلبات الامور قد يشرع حكما باعتبار مصلحة يعلم ان لها أمدا منتهيا وحدا محدودا إلا انه جلت حكمته لم يبين حده لعباده وإن كان مخزونا في علمه فإذا انقضى أمد تلك المصلحة وأمد الحكم المنبعث عنها شرع الحكم الثاني على مقتضى المصلحة المتجددة.
فقولنا النسخ رفع الحكم الأول إنما هو تسامح في الكلام باعتبار دلالة دليله في ظاهر الحال على بقائه في جميع الأزمان ، وإلا فالحكم الأول مرتفع في الواقع بنفس انتهاء مصلحته المحدود بحدها عند الله.
ولا ينبغي ان يتوهم ذو شعور بأن القائلين بإمكان النسخ في الشرائع ووقوعه يقولون بأن الله يريد في اوّل تشريع الحكم دوامه أبد الآباد ثم يعدل عن ذلك ويشرع حكما آخر تعالى الله عن ذلك.
«الفصل الثاني : في امكانه»
لا يخفى ان الله القادر على جعل الشريعة وتشريع الأحكام لقادر على ان يجعل حكمين لزمانين مثلا ، فاذا انقضى زمان الحكم الاول أعلن لعباده بواسطة رسله تشريع الحكم الثاني. ولا نجد من ذلك مانعا بل لا مانع كما